تحتفل الأورو-متوسطية للحقوق هذا العام بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها! للاحتفال بهذا الإنجاز ، سألنا أعضائنا عن ما يعنيه لهم ان يكونو جزءا من الشبكة.
عاد كمال الجندوبي إلى تونس بعد قضائه ستة عشر عامًا في المنفى بفرنسا، مباشرة بعد اندلاع الثورة عام 2011. و أٌنتخب وقتها رئيسًا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات المكلفة بالإشراف على الانتخابات و الاستفتاءات و تنظيمها في تونس. و تقلَّد الجندوبي منصب وزير مسؤول عن العلاقات مع المؤسسات الدستورية و المجتمع المدني و حقوق الإنسان عامي 2015 و 2016. كما ترأس بين عامي 2017 و 2021 فريق خبراء الأمم المتحدة البارزين الدوليين و الإقليميين المكلف بمهمة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان باليمن.
“يشرِّفني أن أحتفل معكم بالذكرى الخامسة و العشرين لتأسيس الأورو-متوسطية للحقوق. و يا لها من رحلة خضتها منذ إنشاء الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق عام 1997! فقد رأى المبادرون بتأسيس الشبكة عقِب اطلاق الشراكة الأورو-متوسطية أن خلق فضاء مشابه للمنصَّة يجمع مكونات المجتمع المدني من جنوب المتوسط و شماله لمراقبة مدى تنفيذ عملية برشلونة من شأنه أن يساهم مساهمة كبيرة في تحسين العمل في مجال حقوق الإنسان.
كيف تبلورت فكرة انشاء الشبكة؟
تبلورت فكرة تأسيس منظمة غير حكومية على يافطة الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق في وقت مبكر، و عٌقد أول اجتماع عام في مدينة كوبنهاغن عام 1997 بهدف انشاء واجهة تصِل شمال المتوسط بجنوبه و خلق فضاء يجمع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني اقليميًا لتدارس موضوع حقوق الإنسان و قضايا متشَّعبة تٌهم المنطقة. و بالعودة إلى الوراء، نشبت بطبيعة الحال بعض الخلافات زاد من حدتها الاختلاف الجوهري في طبيعة الوضع السائد في كل من “الشمال الليبرالي” و “الجنوب القمعي”. و شكَلت حينها القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في المعادلة الإقليمية: و كنا ما نزال نعيش على وقع اتفاق أوسلو و نتحرك باتجاه تحقيق حلم إقامة دولة فلسطينية. و اتضح جليًا وقتها ضرورة أن تضع الأورو-متوسطية للحقوق هذا الموضوع في صلب أولويات عملها.
و من حيث المنهجية، وضعنا ثلاثة خطوط عريضة للعمل عليها؛ الأولويات المواضيعية (حقوق المرأة و الهجرة و العدالة و حرية تكوين الجمعيات و التجمع السلمي و انشاء فريق عمل معني بإسرائيل و فلسطين؛ و الأولويات القطرية (و تشمل “بلدان مٌنغلقة على نفسها” لا تتمتع فيها مكونات المجتمع المدني بحرية العمل و النشاط، و “بلدان شبه منغلقة” تمر بظروف صعبة تٌعيق تنفيذ العديد من الأعمال المتعلقة بحقوق الإنسان و “بلدان منفتحة” تمكنت الأورو-متوسطية للحقوق فيها من اطلاق برامج قطرية بشأن المرأة و الهجرة مثل ما حدث في الأردن و المغرب؛ و الأولويات الإقليمية بهدف مرافقة منتديات المجتمع المدني في إطار تجسيد الشراكة الأورو-متوسطية و تقوية الشراكة بينها و بين المنظمات غير الحكومية العالمية و النقابات و ترقية أنشطة الدعوة باتجاه الإتحاد الأوروبي بعد فتح مكتب لها في بروكسل.
ما تصورك للشبكة و أنت رئيسها؟
اٌنتخبت على رأس اللجنة التنفيذية عام 2004 و لم يمر على اطلاق عملية برشلونة إلا عشر سنوات. و تصدرت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 جدول الأعمال العالمي لمكافحة الإرهاب دون غيرها من القضايا الأخرى، مما أثر تأثيرًا سلبيًا على الحريات الأساسية و على مكانة المدافعين عن حقوق الإنسان في الوطن العربي على وجه التحديد. و وضعتٌ نصب عيني خلال عهدتي كرئيس للأورو-متوسطية للحقوق ضرورة توفير مزيد من الحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان. فكان السؤال الذي يشغلني، ما العمل لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان العاملين في بيئات عدائية في ظل ظروف صعبة للغاية؟ و ما العمل لمساعدتهم على جمع التبرعات مع افتقارهم لوضع قانوني يسمح لهم بذلك؟ و من هذا المنطلق بدأنا التفكير في انشاء المؤسسة الأورو-متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان، و هي مؤسسة مستقلة تنشط منذئذ في كوبنهاغن.
كما شغلت منصب الرئيس الفخري للأورو-متوسطية للحقوق أثناء اندلاع الثورة بتونس في نهاية عام 2010. و قد انهمكت للغاية في النشاط الحقوقي فور عودتي إلى بلدي بعد قضاء 16 عامًا في المنفى.
كيف وجدت تونس بعد عودتك؟
السؤال الذي طرح نفسه مجددًا و بشدة بعد الإطاحة بنظام بن علي كان: “ما أفضل طريقة لدعم الفاعلين من المجتمع المدني و مرافقتهم؟”. فكان الجواب أن اٌجري عمل تجريبي نوعًا ما يقضي بإنشاء مكتب ينسق العمل بين منظمات المجتمع المدني في تونس و الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق و المؤسسات الأوروبية. و انصبَّ عملنا في البداية على إيجاد دينامية شاملة و ترابطية تأخذ بعين الاعتبار القضايا متعددة الجوانب و تستجيب لما يحتاجه الأعضاء و غير الأعضاء على الصعيد المحلي، في ظل غياب برنامج محدد.
و قد عمِلنا على وضع تصور لحوار ثلاثي الأطراف يجمع الأورو-متوسطية للحقوق و منظمات المجتمع المدني و تونس و الإتحاد الأوروبي أثناء تولي منصب وزير مسؤول عن العلاقات مع المجتمع المدني عام 2015. و سٌعدت كثيرًا حينها بتبوء الأورو-متوسطية للحقوق و المنظمات المحلية الأعضاء بها لمكانتها كشركاء حقيقيين و فاعلين رئيسيين في علاقات تونس و الإتحاد الأوروبي.
غير أن المنطقة لم تشهد أي تحسن يذكر…
تغير البعد الأوروبي للشراكة الأورو-متوسطية تغيرا كبيرًا على مر السنوات الماضية. فقد انكب الاتحاد الأوروبي على توسيع قاعدة أعضائه ليصل إلى 27 عضوًا بعدما كان يضم 15 عضوًا فقط. و ساهم تعاطى الاتحاد مع قضايا مكافحة الإرهاب و الهجرة و الجمود الحاصل في إيجاد تسوية للنزاع الإسرائيلي/الفلسطيني في تعطيل عجلة الشراكة الأورو-متوسطية. و دقَّ الإتحاد من أجل المتوسط، بدوره، أخر مسمار في نعش هذه الشراكة بعد صب جل اهتمامه على التجارة و الأمن و مسائل الهجرة، و بذلك تتلاشى و تختفي فكرة رائعة و سخية تبلورت مع اطلاق عملية برشلونة. و لم تٌراعي سياسة الجوار الأوروبية، هي الأخرى، البعد الإقليمي لهذه الشراكة، مما أدى إلى اغلاق الحدود. و بالمحصلة، تحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة للمهاجرين و لآمالهم في عبور آمن.
و علينا دائما الاسترشاد بالسياسات العامة التي تعكس شواغل الدول إذا ما أردنا تقييم عملنا. و من وجهة نظري فمن المهم بما كان مواصلة السير في تجسيد أولويات العمل الكبرى التي وضعتها الأورو-متوسطية للحقوق نصب أعينها مثل حرية تكوين الجمعيات و التجمع و ضمان حقوق المرأة و مسائل الهجرة. و قد أسفر العمل الذي تضطلع به الأورو-متوسطية للحقوق عن بروز مواضيع جديدة مثل المساواة بين الجنسين و الحريات الفردية و غيرها من القضايا و ساهم في تكوين مادة دسمة يمكن الاعتداد بها لصياغة مسارات العمل في المستقبل.
و لا يخفى على أحد، و نحن بصدد الحديث عن موضوع التضامن و الدعم، حاجة أعضاء الأورو-متوسطية للحقوق و شركائها في سوريا و مصر و الجزائر الآن أكثر من أي وقت مضى إلى منصَّات على شاكلة الشبكة.