البنود الخاصة بأسرار الدولة و”تحقير” قوات الأمن تقوض حرية التعبير
(تونس، 11 مايو/أيار 2015) ـ طالبت 13 منظمة غير حكومية في بيان مشترك اليوم من المشرعين التونسيين التخلي عن البنود الإشكالية في مشروع قانون “زجر الاعتداء على القوات المسلحة”، حيث يمكن للبنود المخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والحقوق المكفولة في الدستور التونسي أن تجرم سلوك الصحفيين والمبلغين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم ممن ينتقدون الشرطة، كما تسمح لقوات الأمن باستخدام القوة المميتة في غير حالات الضرورة القصوى لحماية النفس البشرية.
وقامت الحكومة بإرسال مشروع القانون إلى مجلس نواب الشعب في 10 أبريل/نيسان 2015، في أعقاب اعتداء 18 مارس/آذار الذي قام به مسلحون وأدى إلى مقتل 23 شخصاً بمتحف باردو في تونس، وسلسلة من الهجمات المميتة على قوات الأمن من جانب جماعات مسلحة. ومنذ الانتفاضة التي أزاحت الرئيس زين العابدين بن علي في يناير/كانون الثاني 2011، تسببت هذه الهجمات أيضاً في مقتل ما يزيد على 75 من أفراد الجيش التونسي وغيره من القوات الأمنية والمسلحة، وجرح 190 منهم على الأقل. ولم يحدد مجلس نواب الشعب موعداً لمناقشة مشروع القانون حتى الآن.
وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يتعين على مجلس نواب الشعب التونسي أن يضمن قدرة قوات الأمن في تونس على حماية الناس من الاعتداءات، وان يتم ذلك في نفس الوقت في كنف احترام الحقوق والحريات. لكن بنود مشروع القانون الخاصة بأسرار الدولة والتحقير واستخدام القوة المميتة تخفق في هذا الاختبار”.
والغرض المعلن من مشروع قانون “زجر الاعتداء على القوات المسلحة” هو تعزيز حماية القوات المسلحة ـ بما فيها الجيش والأمن الداخلي والديوانة ـ وزجر الاعتداء على المؤسسات والمرافق والمعدات الخاضعة لسلطتها.
وإذا تم تبني مشروع القانون فإن من شأنه السماح للمحاكم بفرض أحكام مطولة بالسجن على الأشخاص الذين يفشون “أسرار الأمن الوطني”، والتي تم تعريفها بشكل موسع. ولا يسمح القانون باستثناء الأشخاص الذين يفشون سرا بدافع المصلحة العامة، مثل المبلغين والصحفيين، من الملاحقة.
ويعمل مشروع القانون على تجريم “تحقير” الشرطة وغيرها من قوات الأمن، ومن ثم فهو يقوض حرية التعبير. ومن شأنه أيضاً أن يسمح للشرطة باستخدام القوة المميتة لحماية الممتلكات، وإن كانت في حدود أضيق من القانون المعمول به حالياً، بدلاً من قصرها على أن تكون الملجأ الأخير لحماية أرواح البشر، كما تقضي بذلك المعايير الدولية.
ويفرض الفصلان 5 و6 من مشروع القانون أحكاماً بالسجن تصل إلى 10 سنوات، وغرامة قدرها 50 ألف دينار (25522 دولار أمريكي) على من يفشون أو ينشرون “أسرار الأمن الوطني”. وتعريف أسرار الأمن الوطني فيه هو “جميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلقة بالأمن الوطني […] والتي يجب ألا تكون معلومة إلا ممن له الصفة في استعمالها أو امتلاكها أو تداولها أو حفظها”.
ولا يتفق هذا النص مع التزامات تونس بحماية الحق في حرية التعبير وتعزيز حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات. فقد تكون تلك المعلومات ضرورية لفضح انتهاكات حقوق الإنسان وضمان المحاسبة الديمقراطية. ورغم أن للحكومات حقاً في تقييد تداول معلومات معينة من شأنها تعريض الأمن الوطني للخطر، إلا أن التعريف الفضفاض وغياب أي استثناء أو دفاع متعلق بالمصلحة العامة قد يسمح للسلطات بتوجيه الاتهام إلى من يكشفون عن أخطاء الحكومة.
وينص الفصل 12 من مشروع القانون على عقوبة جزائية بالسجن لمدة عامين وغرامة تصل إلى 10,000 دينار (5109 دولار أمريكي) لمن يثبت عليه “تحقير” القوات المسلحة بقصد “الإضرار بالأمن العام”.
ولا يتفق تجريم “تحقير” مؤسسات الدولة مع الضمانات القوية لحرية التعبير بموجب القانون الدولي، كما أنه يتعارض مع الحقوق المكفولة في الدستور التونسي لسنة 2014. علاوة على هذا، فإن غموض مفهوم تحقير القوات المسلحة لا يتفق مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وهو احد أركان القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يلزم الدول بضمان أن تكون الجرائم الجزائية معرفة بشكل دقيق وواضح في القانون. ولأن الفصل 12 لا يحدد ماهية الأفعال و/أو الإمتناعات عن الأفعال التي تشكل “تحقيراً” فإنه يشكل خطرا يمكن أن يمنح السلطات صلاحية تقديرية واسعة لاعتقال الأشخاص على أسس غير مبررة من قبيل التجادل مع الشرطة أو التباطؤ في تنفيذ أوامرها، أو للانتقام من إيداع شكوى بحق الشرطة. أما اشتراط الفصل أن يكون دافع التحقير هو “الإضرار بالأمن الوطني” فهو فضفاض بحيث لا يكاد يقيد الصلاحية التقديرية التي تتمتع بها السلطات لتوجيه الاتهام.
وقال كريم لاهيجي، رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: “بدلاً من إلغاء الفصول المقوضة لحرية التعبير في القانون التونسي والتي تخالف ما ينص عليه الدستور الجديد من ضمانات قوية لحرية التعبير، فإن السلطات التونسية تقترح إضافة جرائم جديدة”.
ومن شأن مشروع القانون أن يعفي قوات الأمن من المسؤولية الجزائية على استخدام القوة المميتة لزجر الاعتداء على منازلهم أو ممتلكاتهم أو عرباتهم، إذا كانت القوة المستخدمة ضرورية ومتناسبة مع الخطورة. ويعني هذا النص أن يُسمح لقوات الأمن بموجب القانون بالرد بالقوة المميتة على اعتداء لا يهدد حياتهم أو حياة الغير ولا ينطوي على خطر إصابة جسيمة بل هو فقط اعتداءعلى ممتلكات.
وقال سعيد بنعربية، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة الدولية للحقوقيين: “يجب تعديل مشروع القانون لضمان عدم السماح بالاستخدام العمدي للقوة المميتة إلا لحماية الأرواح كما يقضي بذلك القانون والمعايير الدولية”.
إن استخدام القوة المميتة لحماية الممتلكات فقط لا يتفق مع واجب الدولة في احترام وحماية الحق في الحياة، ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.
وقال ميشيل توبيانا، رئيس الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان: “ينبغي علي المشرعين التونسيين أن يستغلوا مشروع القانون كفرصة لتوفيق القوانين المتعلقة باستخدام الشرطة للقوة مع المعايير الدولية، وتوفير التدريب الكافي على أساليب حفظ الأمن، بما فيها تجنب استخدام القوة حيثما لم تكن لها ضرورة، والاستخدام الصحيح للأسلحة المميتة والأسلحة الأقل خطورة على حد السواء”.
لتفاصيل عن البنود الإشكالية وقائمة بالمنظمات التي أصدرت البيان، يرجى مواصلة القراءة أدناه.
“أسرار الأمن الوطني”
تنص مبادئ جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية التعبير والوصول إلى المعلومات، وهي مجموعة مبادئ واسعة التأثير أصدرها في 1996 خبراء في القانون الدولي عن انطباق تدابير الحماية المتعلقة بحقوق الإنسان على معلومات الأمن القومي، تنص على أنه: “لا تجوز معاقبة شخص على أساس متعلق بالأمن القومي لكشف معلومات إذا (1) لم يؤد الكشف، أو لا يرجح أن يؤدي إلى الإضرار بمصلحة تمس الأمن القومي، أو (2) تغلبت المصلحة العامة المتحصلة من ذيوع المعلومة على الضرر الناجم عن الكشف”.
ويوضح المبدأ أنه “للتثبت من أن القيد… ضروري لحماية مصلحة مشروعة تمس الأمن القومي فإن على الحكومة أن تبرهن على: (أ) أن الرأي أو المعلومات المعنية تشكل تهديداً خطيراً لمصلحة مشروعة تمس الأمن القومي، و(ب) أن القيد المفروض هو أقل الوسائل الممكنة لحماية تلك المصلحة تقييداً، و(ج) أن القيد يتفق مع المبادئ الديمقراطية”.
وتستكمل المبادئ تعريف المصلحة المشروعة التي تمس الأمن القومي على أنها “حماية وجود البلاد أو سلامة أراضيها من استخدام القوة أو التهديد بها، أو حماية قدرتها على الاستجابة لاستخدام القوة أو التهديد بها، سواء من مصدر خارجي مثل التهديدات العسكرية، أو من مصدر داخلي مثل التحريض على قلب نظام الحكم بالعنف”.
وقد عملت المبادئ العالمية بشأن الأمن القومي والحق في المعلومات، الصادرة في 2013 (مبادئ تشواني)، على تطوير تلك الشروط، فلاحظت على سبيل المثال أن هناك مصلحة عامة غلابة في الكشف عن المعلومات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأوضحت أن المبلغين الذين يفضحون الأخطاء لا ينبغي بصفة عامة أن يخضعوا للعقوبات الجزائية أو المدنية.
وقد لاحظت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في تعليقها العام رقم 34 المفسر للمادة 19، المتعلقة بحرية التعبير، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتونس دولة طرف فيه، أن على الحكومات توخي “الحذر الشديد” لضمان عدم التذرع بقوانين الأمن القومي “بغرض القمع أو لحجب معلومات عن الجمهور تكون ذات مصلحة عامة مشروعة ولا تضر بالأمن القومي” أو لملاحقة صحفيين أو باحثين أو نشطاء أو غيرهم ممن ينشرون تلك المعلومات.
“تحقير” القوات المسلحة
من شأن بند التحقير أن يضيف جريمة جديدة إلى القوانين القائمة، المشتملة بالفعل على العديد من المواد المجرمة لحرية التعبير، بما فيها بنود التشهير بهيئات الدولة، والجرائم ضد رأس الدولة، والجرائم ضد كرامة أو سمعة الجيش أو روحه المعنوية. ويقرر التعليق العام رقم 34 للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه “ينبغي للدول الأطراف ألا تحظر انتقاد مؤسسات مثل الجيش أو الجهاز الإداري”. وقد طلب مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في استعراضه الدوري الشامل لتونس عام 2012، طلب من السلطات مراجعة بقايا القوانين الموروثة من عهد بن علي التي تخنق حرية التعبير بحيث توفر حماية كاملة لتلك الحقوق طبقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
إن البنود المتعلقة بأسرار الأمن الوطني وتحقير الشرطة، بخلاف تعارضها مع التزامات تونس بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تتعارض مع الحقوق المكفولة في الدستور التونسي الجديد الذي تم تبنيه في 27 يناير/كانون الثاني 2014، والتي تحمي حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر. كما أن الدستور يعمل في فصله 32 على تكريس “الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة” وشبكات الاتصالات. علاوة على هذا فإن الفصل 49 من الدستور يقيد الضوابط المسموح بفرضها على الحقوق والحريات، قائلاً إن عليها ألا تنال من جوهر تلك الحقوق، ولا يجوز فرضها إلا لحماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة. وينبغي لتلك الضوابط عند فرضها أن تتناسب مع موجباتها.
استخدام القوة المميتة
بموجب الفصل 18 من المسودة الراهنة لمشروع القانون، “لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب، عند دفعه لأحد الاعتداءات التي تتكون منها الجرائم المنصوص عليها بالفصول 13 و14 و16 من هذا القانون، في إصابة المعتدي أو في موته، إذا كان هذا الفعل ضرورياً لبلوغ الهدف المشروع المطلوب تحقيقه حماية للأرواح أو الممتلكات، وكانت الوسائل المستخدمة هي الوحيدة الكفيلة برد الاعتداء، وكان الرد متناسباً مع خطورته”.
ويحذو الفصل حذو الإرشادات المتعلقة باستخدام القوة في الفصول 20-22 من القانون التونسي 96-4 الصادر في يناير/كانون الثاني 1996 والذي ينظم التجمعات العامة. وتنص تلك الفصول على أنه لا يجوز لضباط إنفاذ القانون استخدام الأسلحة النارية إلا حينما لا تتوافر لهم أية وسيلة أخرى للدفاع “عن المكان الذي يحتلونه أو المنشآت التي يحمونها أو المراكز أو الأشخاص الذين عهد إليهم بحراستهم، أو إذا كانت المقاومة بكيفية يستحيل التغلب عليها بصفة أخرى إلا باستعمال الأسلحة”. ورغم أن نص مشروع القانون الجديد يدخل تحسيناً وحيداً على القانون ـ مبدأ التناسب ـ إلا أنه لا يوفق القانون مع المعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة.
بل إن الفصل 18 من مشروع القانون أوسع نطاقاً من القانون 96-4، حيث أنه ينطبق على استخدام القوة لا في المظاهرات وحدها وإنما أيضاً في حالات الاعتداء الفردي على “محل سُكنى عون القوات المسلحة أو على محتوياته أو على وسيلة تنقله”. ومن ثم فهو لا يتفق مع المعايير الدولية، وبوجه خاص التزام الدولة باحترام وحماية الحق في الحياة، ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، التي تقرر:
“يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين عدم استخدام أسلحة نارية ضد الأفراد ألا في حالات الدفاع عن النفس، أو لدفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل خطراً من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأقل تطرفاً غير كافية لتحقيق هذه الأهداف. وفي جميع الأحوال لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماماً تجنبها من أجل حماية الأرواح”.
المنظمات الموقعة
منظمة العفو الدولية ـ آمنستي
المادة 19
محامون بلا حدود ـ بلجيكا
مركز كارتر
الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان
الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
هيومن رايتس ووتش
اللجنة الدولية للحقوقيين
الدعم الدولي للإعلام ـ إنترناشنال ميديا سابورت
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
أوكسفام
مراسلون بلا حدود
العمل المسيحي لمناهضة التعذيب