فخار ومدافعون آخرون عن حقوق الأمازيغ محتجزون منذ يوليو/تموز 2015
(بيروت، 29 مايو/أيار 2017) – قالت كل من “هيومن رايتس ووتش” و”الأورومتوسطية للحقوق ” و”منظمة العفو الدولية” و”فرونت لاين ديفندرز” اليوم إن على السلطات الجزائرية إسقاط جميع الاتهامات المنسوبة إلى ناشط بارز و40 آخرين من المتهمين معه، بسبب أنشطتهم السلمية المطالبة بحقوق أقلية الأمازيغ، أو البربر. كمال الدين فخار وأغلب المتهمين معه محتجزون منذ يوليو/تموز 2015.
فيما يخص اتهامات أخرى يواجهها المدعى عليهم وتتصل بأعمال عنف، فعلى السلطات أن تُفرج عنهم فورا من الإيقاف السابق للمحاكمة، ما لم تكن هناك مبررات فرديّة تستدعي استمرار احتجاز بعض المتهمين بعد انقضاء عامين تقريبا. يستحق المحتجزون جميعا المحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة. يواجه المدعى عليهم اتهامات مماثلة، منها القتل والإرهاب وجرائم خطيرة أخرى قد تؤدي إلى الحُكم بالإعدام، جراء دورهم المزعوم في مصادمات عرقية دامية اندلعت بمنطقة مزاب بين 2013 و2015.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “إذا أرادت السلطات الجزائرية محاكمة المشتبهين بالتحريض على أعمال العنف الدامية بولاية غرداية والمشاركة فيها، فيجب أن تستند المحاكمة إلى أدلة قوية وفردية”.
أصدرت دائرة الاتهام، وهي دائرة تمهيدية سابقة للمحاكمة مكلفة بتأكيد أو رفض الاتهامات بناء على تقرير من قاضي تحقيق، قرارا في 150 صفحة في 14 فبراير/شباط 2017 يقضي بإحالة القضية للمحاكمة. اطلعت المنظمات الموقعة على التقرير. رفضت المحكمة الجزائرية العليا طعن المدعى عليهم في القرار وقد بدأت المحاكمة في 25 مايو/أيار.
ترأس فخار “الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان” بمدينة غرداية منذ 2004 وحتى 2014. في أواخر 2013 أسس “الحركة من أجل الحكم الذاتي لمزاب” وهي منطقة شمال الصحراء، وانتقد الحكومة على ما وصفه بسياسات الفصل العنصري والتمييز ضد المزابيين، وهي أقلية عرقية أمازيغية بالمنطقة. أغلب المتهمين الآخرين هم من النشطاء المؤيدين لحقوق الأمازيغ، ويؤيدون الحكم الذاتي لمزاب.
قال ميشيل توبيانا رئيس الأورومتوسطية للحقوق: “يجب ألا يُحاكم أحد على دفاعه السلمي عن حقوق الأقليات، بما يشمل مطالبات الحكم الذاتي الإقليمي والاستقلال، بما يتفق مع الالتزامات الدولية المترتبة على الجزائر”.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يمكن للحكومات أن تفرض عقوبات على التحريض على العنف والكراهية والتمييز. لكن القوانين التي تحظر التحريض يجب أن تُعرَّف بوضوح وبشكل ضيق ومحدد ومتناسب مع حماية الحق في حرية التعبير. المحاكمة على التحريض على العنف يجب أن تقتصر على الحالات التي يكون فيها التحريض متعمدا ويتصل بصفة مباشرة بأعمال عنف. المحاكمة على التحريض على الكراهية أو التمييز يجب ألا تشمل أعمال المناصرة السلمية لحقوق مجموعة من السكان أو ممن يطالبون بالحكم الذاتي أو الاستقلال.
رفضت المحكمة طلبات الدفاع بإخلاء سبيل الموكلين بكفالة في انتظار المحاكمة، وآخر الطلبات كانت في 14 فبراير/شباط. لم تقدم السلطات القضائية حقائق بعينها أو حيثيات تبرر الرفض، كما يقتضي القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
إضافة إلى الاتهامات والأدلة المعيبة، فإن الحبس المؤقت المطول للمتهمين، دون تقديم مبررات لكل حالة على حدة إزاء دوافع استمرار الاحتجاز، ينتهك حقهم في الحرية وفي سلامة الإجراءات القانونية، التي تشمل إعطاء الأولوية لإخلاء السبيل في انتظار المحاكمة.
تنص المادة 14 (ج) من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صدقت عليه الجزائر، فضلا عن “البروتوكول الاختياري الخاص به”، على أن: “أثناء النظر في [اتهامات جنائية]” يتاح للمتهم جنائيا وعلى قدم المساواة التامة “أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له”. كما تنص “المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا”، التي اعتمدتها “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” عام 1999 على أن: “ما لم تكن هناك أدلة كافية تستوجب منع الشخص المعتقل بتهمة جنائية من الفرار، أو التأثير على الشهود، أو تهديد الغير تهديدا واضحا وخطيرا، فإن على الدول أن تضمن عدم استبقائه رهن الاحتجاز في انتظار المحاكمة”.
قالت هبه مرايف، مديرة البحوث بشمال أفريقيا في العفو الدولية: “يستحق ضحايا الأحداث المأساوية في مزاب العدالة، التي لن تتحقق عن طريق محاكمة معيبة للغاية”.
خلفية
بدأ فخار إضرابا عن الطعام في 3 يناير/كانون الثاني 2017 للمطالبة بإخلاء سبيله، لكنه علق الإضراب في 20 أبريل/نيسان. قبضت السلطات على فخار و30 متهما آخرين في 9 يوليو/تموز 2015، من بيت يملكه بمدينة غرداية، إبان أحداث عنف محلية اندلعت بالولاية، في وقت سابق من الشهر نفسه، وكانت أحدث حلقة في سلسلة من الأحداث المشابهة في هذه المنطقة التي تعاني من توترات عرقية. أوقف باقي المتهمين في 26 يوليو/تموز 2016 و12 ديسمبر/كانون الأول 2016.
اندلعت أعمال العنف بشكل متفرق بين المزابيين والعرب في ولاية غرداية منذ 2013. وحصلت واحدة من أكثر حلقات العنف دموية بين 7 و10 يوليو/تموز 2015، وخلّفت 25 قتيلا وأكثر من 70 جريحا من المجموعتين، وأغلب الخسائر البشرية وقعت جراء أعيرة نارية، بحسب تقارير إعلامية.
وافقت دائرة الاتهام على التهم المنسوبة إلى فخار، وتشمل الإرهاب والتحريض على الكراهية أو التمييز وتوزيع مواد ضارة بالمصلحة الوطنية والتشهير بمؤسسات الدولة، وكلها تهم منصوص عليها في قانون العقوبات. فضلا عن هذه الاتهامات، فإن أغلب المتهمين الآخرين اتهموا أيضا بتشكيل عصابة إجرامية لارتكاب جرائم وقتل عمد. بعض الجرائم المذكورة يُعاقب عليها بالإعدام.
تقرير دائرة الاتهام فيه ثغرات ومشكلات لثلاثة أسباب: أولا، لم يذكر التقرير أدلة الإدانة ضد المدعى عليهم في الجرائم المنتمية لطائفة أعمال العنف المُجرّم، مثل الأحكام المتعلقة بـ “الإرهاب” والقتل والإحراق. ثانيا، يضم التقرير اتهامات بجرائم يجب أن تُلغى من القانون لأنها تجرم الرأي السلمي الذي تحميه مواثيق حقوق الإنسان الدولية، مثل “التشهير بمؤسسات الدولة” و”توزيع مناشير ضارة بالمصلحة الوطنية”. ثالثا، يضم التقرير اتهامات بجرائم معترف بها مثل التحريض على الكراهية أو التمييز أو العنف، لكن يجب إثباتها بناء على تعريفات ضيقة ودقيقة لهذه الجرائم، بما يتسق مع التزام الجزائر باحترام الحق في حرية التعبير.
لم يذكر تقرير دائرة الاتهام أدلة تشير إلى أن فخار أو أي من المدعى عليهم الآخرين خططوا أو نفذوا أي أعمال عنف. إنما برر التقرير الاتهامات بناء على تسجيلات لخطب لهم، دون تقديم أدلة على أن هذه الخطب تحتوي على تحريض على العنف، فضلا عن معلومات تخص عقدهم لاجتماعات، وانتمائهم إلى حركات أمازيغية. كما اتخذت دائرة الاتهام كدليل على أن المتهمين عناصر بعصابة إجرامية، وجود شخص مجهول على مقربة من بيت فخار، كان قد استهدف أعوان للشرطة القضائية بأعيرة نارية وألقى أجهزة انفجارية مرتجلة أثناء عملية الاعتقال. لم يصب الشخص المذكور أي من أعوان الشرطة، وتمكن من الهرب، ما يعني عدم ضمه إلى المدعى عليهم.
ذكر تقرير دائرة الاتهام مقطع فيديو يسجل لقاء بين فخار وعدد من المتهمين، بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول 2013. طبقا للتقرير، فإن هذا الشريط شهد إعلان فخار أن “الطلاق” بين المزابيين والعرب حتمي. ويُزعم أنه في الشريط المذكور يوبخ الشرطة على عدم ملاحقة المسؤولين عن أعمال العنف المستهدفة للمزابيين، ويصف العرب بـ “الغزاة” و”المنافقين” ويعلن أن “السلطات ديكتاتورية وفاسدة ومجرمة وقمعية” وتحابي السكان العرب.
يذكر التقرير شريط فيديو آخر قيل إن فخار قال فيه: “نحن على أرضنا وأرض أجدادنا، والعرب ليسوا ضيوفا بل غزاة، يجب أن نُخرجهم من أرضنا ومن شمال أفريقيا. داعش [تنظيم “الدولة الإسلامية”] هو أصل الفساد والجرائم”.
بالنسبة للمتهمين الآخرين، أشارت دائرة الاتهام إلى تقارير الشرطة التي ذكرت حضورهم الاجتماع المصوّر في شريط الفيديو الذي يعود إلى أكتوبر/تشرين الأول 2013. كما ذكرت دائرة الاتهام أقوالا للمتهمين أدلوا بها للشرطة يعترفون فيها بأنهم نشطاء مؤيدون للحكم الذاتي، ويؤكدون تواجدهم في بيت فخار أثناء عملية اعتقال 9 يوليو/تموز 2015، وأنهم شاركوا في مسيرات أو مظاهرات تطالب بحقوق المزابيين.
فيما يخص عرض أدلة على الانتماء لعصابة إجرامية ومحاولة زعزعة استقرار أمن الدولة، تذكر المحكمة الجماعات المطالبة بالحكم الذاتي التي ينشط بها فخار ومتهمون آخرون.