Search

بعد مضي عشرين عاماً على اتفاقية أوسلو، يجب على أوروبا صياغة الالتزامات القديمة في صيغة جديدة من أجل السلام

لقد انقضى عقدان من السنين في مفاوضات عقيمة منذ إقرار اتفاقات أوسلو المؤقتة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وخلال هذه الفترة لقي آلاف الفلسطينيين والإسرائيليين حتفهم. كما تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ ازداد ما يقرب ربع مليون إلى ما يزيد عن نصف مليون مستوطن، في حين تمت مصادرة مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي الفلسطينية، وظل قطاع غزة معزولاً تماماً عن الضفة الغربية. وفي الوقت نفسه، ظلت العملية السلمية تراوح مكانها وكأننا ما زلنا في عام 1993، إذ ظلت تعيد الوصفة الفاشلة ذاتها للمفاوضات غير المتكافئة التي تخلو من أي إشارة إلى القانون الدولي، على أمل الخروج بنتائج مختلفة.

إن تركيز المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، على استمرار هذه العملية أتاح لانتهاكات القانون الدولي أن تتواصل على أرض الواقع. وفي الممارسة العملية، عملت المفاوضات كأداة للتضليل، إذ تم إيقاف أنشطة البلدان الثالثة والأنشطة متعددة الأطراف الرامية لضمان احترام القانون الدولي، من أجل استمرار  المحادثات. وفي هذه الأثناء، ومنذ أن شاهد العالم المصافحة الشهيرة في باحة البيت الأبيض، قام الجيش الإسرائيلي بهدم قرابة 14000 بيت فلسطيني، كما أن إنشاء جدار الفصل الإسرائيلي (الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية غير قانوني حيثما يتم بناؤه على أراضي محتلة) أخذ يؤثر على حياة قرابة نصف مليون فلسطيني، وما زال حوالي 5000 فلسطيني في السجون الإسرائيلية، والعديد منهم محتجزون بسبب مزاولتهم لنشاطات غير عنيفة. وعلى الرغم من أن اتفاقات أوسلو أقرت بالمناطق الفلسطينية المحتلة بوصفها منطقة واحدة، إلا أن ذلك لم يوقف السياسة الإسرائيلية بعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية وإغلاق القطاع، والذي تواصل بأشكال متنوعة منذ عام 1991 ووصفته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2010 بأنه يمثل عقوبة جماعية. ويعاني قطاع غزة من الازدحام ويتعرض سكانه لأعمال عدائية، كما تدهورت مصادره المائية، وتم منع القطاع من الوصول إلى المصادر الطبيعية وحرمانه من مزاولة النشاط التجاري، وهذا يهدد القطاع بأن يكون غير قادر على الوفاء بمتطلبات سكانه بحلول عام 2020.

منذ عام 1993، قدّم الاتحاد الأوروبي أكثر من 6 بلايين يورو من المساعدات للفلسطينيين – وهو مبلغ يضاهي تقريباً ما يخسره الاقتصاد الفلسطيني في سنة واحدة بسبب الاحتلال، وذلك وفقاً للأرقام الفلسطينية الرسمية (الصفحة 4). وقد تم توفير هذه المساعدات دعماً لعملية أوسلو، ولبناء المؤسسات للدولة الفلسطينية المستقبلية ولتطوير الاقتصاد. إلا أن ذلك لم يعني شيئاً على المدى البعيد دون حدوث تقدم موازٍ لإنهاء الاحتلال وضمان احترام القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي. ولم يستخدم الاتحاد الأوروبي نفوذه على نحو كافٍ لتحقيق هذه الغاية، وعادة ما توجَّه انتقادات للاتحاد بأنه يقدم التبرعات بدلاً من ممارسة الضغط السياسي.

بل إن ما حدث هو العكس، فمنذ أوسلو أصبحت إسرائيل أحد الشركاء الذين يتمتعون بأفضل الميزات من الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالتكامل مع الأسواق الأوروبية، والبرامج والأشكال الأخرى من التعاون. إن الاتحاد الأوروبي هو أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل، إذ وصل حجم التبادل التجاري 33 بليون يورو في عام 2012 [رابط، صفحة 4]، في حين ظلت اتفاقية التجارة الموازية بين الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية على مستوى رمزي بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال. وفيما عدا الإجراء الذي تم في أعقاب عملية الرصاص المصبوب في غزة في عامي 2008 و 2009 بتجميد الترقية الرسمية للعلاقات الثنائية، ظل تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مستمراً دون شروط تقريباً، وذلك على الرغم من وجود بند واضح في اتفاقية الشراكة والمتعلق بحقوق الإنسان. واقتفت علاقات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل النمط نفسه إلى حد كبير.

وفي وسط هذا التنامي السريع في العلاقات، تم تقديم إجراءات خلال السنوات الأخيرة لمحاولة ضمان أن الانهماك الأوروبي في المنطقة يتماشى مع واجب الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بالامتناع عن مد يد العون لأي انتهاكات للقانون الدولي أو الاعتراف بها. وكان آخر هذه الإجراءات مجموعة جديدة من الخطوط الإرشادية تقيّد المنح والتمويل المقدم من قبل الاتحاد الأوروبي لمنع استخدامها في المشاريع والأنشطة التي تجري في المستوطنات. وتعتبر هذه الضمانات كحد قانوني أدنى في العلاقات المستقبلية، ويجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الإصرار على هذا الموقف في وجه الضغوطات، إذ لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يجب القيام بها كي يتحقق الاتحاد الأوروبي من أن يديه نظيفتان.

ومع ذلك، ونظراً للاستثمار الذي بذله الاتحاد الأوروبي في جهود السلام لغاية الآن، ولواجب الدول الأعضاء في الاتحاد لضمان احترام اتفاقيات جنيفا، والتزامات الاتحاد “بوضع حقوق الإنسان في قلب علاقاته مع جميع البلدان الثالثة” و “تعزيز حقوق الإنسان في جميع مجالات نشاطاته الخارجية ودون استثناء”، فيجب أن نتوقع المزيد من الاتحاد الأوروبي للدفع من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام للفلسطينيين وللإسرائيليين.

وإذا ما أراد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تجنب 20 سنة أخرى من تعميق النزاع والمفاوضات العقيمة، فلا يمكن الانتظار للقيام بنشاطات حازمة بشأن احترام القانون الدولي – ولا حتى الانتظار لثمانية أشهر إضافية من المحادثات. ويجب أن تكون الخطوة الأولى هي جعل أي تعزيز للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مشروطاً بتحقيق تحسينات ملموسة على الأرض، استجابةً لدعوة البرلمان الأوروبي لأن يأخذ الاتحاد الأوروبي في الاعتبار في سياق علاقاته الثنائية مع إسرائيل مسألة احترام إسرائيل للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي. وتماشياً مع الالتزامات بمكافحة الإفلات من العقاب وتعزيز الالتزام بالقانون الدولي، فثمة دور مهم للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في تعزيز المساءلة عن انتهاك الأعراف الدولية – بما في ذلك عبر التعاون مع الهيئات متعددة الأطراف وتشجيع المصادقة على المعاهدات. وأخيراً، إذا ما أردنا إحراز تقدم حقيقي من حقبة اتفاقات أوسلو، فبوسع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء ويجب عليهم القيام بدعم مفاوضات مستقبلية بحيث تكون متعددة الأطراف وشاملة للجميع وقائمة على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

تم نشر المقال في الجريدة الالكترونية الاوروبية يوراكتيف

مصادر إضافية:

“أكثر من 6 بلايين يورو من المساعدات”: 1993: 113 مليون يورو؛ 1994-2006: 2.7 بليون يورو؛ 2007: 564.3 مليون يورو؛ 2008-2012: 2355.4 مليون يورو (صفحة 2)؛ 2013: 248 مليون يورو

“يضاهي تقريباً ما يخسره الاقتصاد الفلسطيني سنويا بسبب الاحتلال”: في عام 2010، يُقدر بأن الاقتصاد الفلسطيني تكبد خسائر تبلغ 6.87 بلايين دولار أمريكي (ما يعادل 5.1 بلايين يورو) بسبب الاحتلال (السلطة الفلسطينية/ معهد الأبحاث التطبيقية-القدس، صفحة 4)

“منذ عام 1993، قام الجيش الإسرائيلي بهدم قرابة 14000 بيت فلسطيني”: 1993 – 2012: ما بين 13375 إلى 14375 (الحركة الإسرائيلية ضد هدم البيوت)؛ كانون الثاني/يناير – يوليو/تموز 2013: 345 (مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة)

“منذ عام 1993 … تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية”: من حوالي ربع مليون في عام 1993 إلى أكثر من نصف مليون حالياً.