بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، تُحذِّر الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان من تواصل الانتهاكات لحقوق اللاجئين من قبل الأنظمة في شمال وجنوب المنطقة المتوسطية.
التغييرات الهائلة التي اجتاحت المشهد السياسي والاجتماعي في المنطقة الأورو-متوسطية خلال السنوات الأخيرة خلفت في أعقابها آلاف اللاجئين. وفي أوقات الأزمات الاقتصادية والتحولات الديمقراطية والاضطرابات الاجتماعية، عادة ما يتم تجاهل الالتزام بحماية هؤلاء اللاجئين. ونتيجة لذلك، ينتهي مصير العديد من اللاجئين وقد تقطعت بهم السبل في مناطق لا تتبع لأية دولة، ويصبحون معرضين للقمع، إساءة المعاملة و كره الأجانب، ولا يتوفر لهم الحد الأدنى من الحماية، أو لا حماية إطلاقاً، من أجل ضمان حقوقهم الأساسية.
وفي أعقاب العمليات الانتقالية في تونس وليبيا، يواصل آلاف اللاجئين العيش في حالة ملتبسة. وثمة ما يقارب 3,000 لاجئ من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعيشون في مخيم اللاجئين في شوشة الواقع على الحدود بين تونس وليبيا، والعديد منهم هم مهاجرون من أجل العمل وتحولوا إلى لاجئين بعد أن فروا من ليبيا أثناء الانتفاضة التي حدثت في عام 2011، وقد تقطعت بهم السبل منذ أكثر من عام. ولم تقبل البلدان الغربية لغاية الآن سوى توطين عدد ضئيل من هؤلاء، أما البقية فلا زالوا غير قادرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية أو إلى ليبيا خشية من تعرضهم للقمع والتعذيب. وفي تونس، والتي لا زالت تفتقر إلى نظام للجوء، ليس أمام هؤلاء اللاجئين أي مستقبل.
وفي الوقت نفسه، أدت الانتفاضات إلى موجات جديدة من اللاجئين: وفي حين توجهت أنظار العالم إلى الوضع المتدهور في سوريا، أخذ تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا ولبنان والأردن يصل إلى مستويات مثيرة للقلق. وقد أدى هذا التدفق إلى تسليط الضوء على ضعف بلدان المنطقة في التعامل مع اللاجئين: فلا الأردن ولا لبنان صادقا على الاتفاقية المتعلقة بوضعية اللاجئين، ولم يضعا نظاما وطنيا لطالبي اللجوء. ويعيش اللاجئون السوريون إضافة إلى اللاجئين العراقيين الذين خرجوا من بلدهم قبل ذلك، دون أية حقوق رسمية أو ضمانات لحمايتهم، وظلوا معرضين لتعسف السلطات ويعتمدون على الأعمال الخيرية للسكان المحليين ومساعدات من المجتمع المدني. وقد حذرت عدة منظمات، من بينها مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، من أزمة إنسانية وشيكة في المنطقة إذا تواصلت الأزمة في سوريا.
وعلى خلفية هذه الموجات الأخيرة من اللاجئين، يجب أن لا ننسى أن المنطقة تشمل أصلاً اثنتين من أكثر أزمات اللاجئين من ناحية الامتداد الزمني: وهما لاجئو الصحراء الغربية الذين يعيش معظمهم في مخيمات اللاجئين في تندوف في الجزائر؛ واللاجئون الفلسطينيون، والذين يعيش أكثر من نصف مليون لاجئ منهم في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن. في حين تواصل فئات أخرى من اللاجئين، لا سيما من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، العيش في ظروف عسيرة في معظم (إن لم يكن جميع) بلدان منطقة جنوب وشرق المتوسط.
أما في داخل منطقة الاتحاد الأوروبي، فثمة نزعة أخرى مثيرة للقلق، وهي: زيادة إضفاء الصفة الجرمية على اللجوء واستخدام الاحتجاز للتعامل مع اللاجئين. فقد ازدادت حالات الاحتجاز الإداري لطالبي اللجوء في أوروبا وأخذ الاحتجاز يصبح القاعدة المتبعة بدلا من أن يكون استثناءً. ويجري احتجاز اللاجئين على الرغم من أنهم لم يرتكبوا أية جريمة تسوّغ تقييد حريتهم أو حركتهم، ورغم أن اتفاقية جنيف تحظر على الدول معاقبة اللاجئين بسبب الدخول غير النظامي إلى البلدان.
ولكن لا تنحصر هذه الممارسات في أوروبا، فقد أقرت إسرائيل في كانون الثاني/يناير قانوناً جديداً يضفي الصفة الجرمية على جميع اللاجئين الذين دخلو بطريقة غير نظامية ويعتبرهم متسللين، وقد بدأ التنفيذ الفعلي لهذا القانون في حزيران/يونيو. ويتيح القانون سجن هؤلاء المهاجرين، بما في ذلك اللاجئين، لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات. وفي بعض الحالات يمكن احتجازهم إلى أجل غير مسمى. وفي ليبيا، تم احتجاز آلاف اللاجئين من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أثناء الانتفاضة ضد القذافي، وذلك في سجون وفي مراكز احتجاز مرتجلة ومن قبل جماعات المليشيات المختلفة. وقد تعرض العديد من هؤلاء اللاجئين للتعذيب، ولم تتمكن الحكومة الانتقالية من السيطرة على كامل البلاد، وأصبحت حياة اللاجئين معرضة للخطر على نحو متزايد.
وغالباً ما يكون من بين المحتجزين أشخاص من الجماعات المستضعفة، مثل النساء وأطفالهن، إضافة إلى القاصرين المهاجرين بمفردهم، والذين لا يحصلون على حماية كافية لحقوقهم. ولا تخلو أوروبا أيضاً من هذه الأوضاع: ففي اليونان، حيث تعكف السلطات على بناء ثلاثين مركز احتجاز، نادراً ما تأخذ السلطات بالاعتبار معايير مثل التوجيهات الإرشادية لمعاملة الأطفال المهاجرين بمفردهم والذين يطلبون اللجوء؛ وفي المملكة المتحدة، تم التعامل مع عدة قاصرين بوصفهم بالغين وتم احتجازهم بناء على ذلك على الرغم من أنهم أبلغوا السلطات بأن أعمارهم تقل عن 18 عاماً.
وبالمثل، تواصل السلطات في معظم البلدان اعتبار وضع النساء المعرضات للعنف القائم على النوع الاجتماعي على أنه ليس أساساً كافياً لمنح صفة اللجوء. وكثيراً ما يُنظر إلى هذا العنف على أنه عنف شخصي أو منزلي بدلا من أن يكون تجلياً لقمع النساء لكونهن نساء. وفي الحالات التي تكون نظم الحماية فيها ضعيفة أو غير موجودة، تظل النساء والبنات اللاجئات يشكلن مجموعة مستضعفة على نحو خاص إذ كثيراً ما يتم إجبارهن على ممارسة البغاء أو يصبحن ضحايا للاتجار بالبشر كي يتمكنَّ من البقاء – وهذا واقع عادة ما تتجاهله البلدان التي تتيح إعادة التوطين أو اللجوء.
وتشكل هذه التوجهات المثيرة للقلق انعكاساً لرغبة البلدان المستضيفة للاجئين لتجاهل الموقف الضعيف لبعض اللاجئين، ووصف اللاجئين جميعاً بأنهم مجرمون محتملون.
علاوة على ذلك، فإن نزعة أوروبا للتعامل مع دخول اللاجئين في خارج حدودها تجعل من الأصعب على اللاجئين أن يصلوا إلى الشواطئ الأوروبية. كما أن تنفيذ الشرطة “لإدارة” تدفقات الهجرة تركز على نحو غير متناسب على “مكافحة الهجرة غير القانونية” والشواغل الأمنية، مما ينعكس غالبا بطريقة سلبيةعلى حياة اللاجئين. كما أن اتفاقية التعاون التي أُبرمت مع البلدان المجاورة أدت فعلياً إلى إعاقة اللاجئين عن الاستفادة من الحماية التي يستحقونها.
بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، تؤكد الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان وبقوة على أنه عندما تتجاهل الدول التزاماتها نحو اللاجئين، فإن من واجب المجتمع المدني والمواطنين العاديين أن يذكّروا السلطات بتلك الالتزامات من أجل حماية حقوق الفئات الأكثر عرضة للخطر. وقال ميشيل توبيانا، رئيس الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان، “تعتمد الديمقراطية في الجنوب وكذلك في الشمال على ضمان حقوق جميع الأفراد – وليس فقط مواطني البلد المعني. ولذلك يجب ألا يُنظر إلى ضمان حقوق اللاجئين بوصفه أمراً اختيارياً أو ثانوياً، وإنما كجزء أصيل من المجتمع الديمقراطي الشامل للكافة”.