فريديريك جوهانيسون، مسؤول البرامج الاقتصادية و الحقوق الاجتماعية بالأورو-متوسطية للحقوق، و سارة جايمسون، المبادرة العالمية من أجل الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
ألقى ظهور وباء كوفيد-19 بظلاله بشكل لا يضع أي مجالٍ للشك على النتائج المترتبة عن عقود من خصخصة الخدمات الضرورية لإعمال حقوق الإنسان و تسويقها تجاريا. فقد هزَّت جائحة كوفيد-19 بلدان منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا التي تعاني أصلاً من نقص الاستثمارات في نظام الصحة العامة و نقص كبير في القدرات البشرية المتمثلة في قلة المدرسين و الأطباء و الممرضين و الأخصائيين الاجتماعيين.
هذه هي تبعات سياسة التحرير الاقتصادي و التحول إلى القطاع الخاص و إجراءات التقشف التي روَّج لها صندوق النقد الدولي و البنك الدولي منذ الثمانينات من القرن الماضي. و كان الهدف من وراء إجراءات التقشف الأكثر شيوعًا التي تم اتخاذها في العالم العربي هو التقليل من اعانات الدعم المٌقدمة للسلع الأساسية، و خفض أجور العاملين في القطاع العام أو تجميدها، و ادخال زيادات على ضرائب الاستهلاك، و اصلاح أنظمة التقاعد و تحسين شبكات الضمان الاجتماعي. و قد أدى ذلك بشكل مباشر إلى تجريد القطاع العام من موارده.
فعلى سبيل المثال، خفَّضت مصر بموجب اتفاقية أبرمتها مع صندوق النقد الدولي في عام 2016 من نفقاتها على القطاع العام، مما أدى إلى خفض مجموع أجور العاملين في القطاع العام من 8.1% من الناتج القومي الإجمالي في عام 2014 ليبلغ 5.3% من الناتج القومي الإجمالي في عام 2018. و لم تٌخصص مصر لقطاع الصحة سوى 1.37% من إجمالي ناتجها المحلي خلال الفترة ما بين عامي 2020 و 2021، رٌغم أن الدستور يٌلزم الحكومة تخصيص ما لا يقل عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي لصرفها على الصحة. و عانى نظام الرعاية الصحية من نقصٍ في التمويل و قلة الموظفين عندما ضرب الوباء البلد.
و شهد القطاع العام في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا تقليص إلى حد كبير خاصة ما تعلق بالإنفاق الاجتماعي؛ فالدعم الاجتماعي يظل بعيدًا كل البعد عن أن يصل إلى الشمول، و عادة ما يتخذ شكل تحويلات نقدية و خطط تأمين اجتماعي ذات صلة بالدخل و معونات في مجالي الغذاء و الوقود. و تعرف المنطقة أيضا انخفاض مستويات الإنفاق العام على قطاعي التعليم و الصحة، في حين يشهد الانفاق الخاص على الصحة ارتفاعًا نسبيًا، مما يعني تضاءل فرص أكثر الفئات ضعفًا في إمكانية الحصول إلى الخدمات الصحية.
إن مثل هذه السياسات سوف لن تحٌد من الفوارق الاجتماعية و الاقتصادية و الجنسانية التي تعاني منها المنطقة.
إعلان عالمي خاص بالخدمات العمومية
لقد زادت الجائحة من الطلب العام القاضي بإعادة بناء الخدمات العامة الحيوية، حيث ظهرت حركات مطالبة بإيجاد بدائل للنماذج القائمة على السوق و التي فشلت بدورها في ضمان حياة كريمة للجميع على حد سواء.
و أطلقت منظمات المجتمع المدني و الحركات الخاصة بالمواطنين في تشرين الأول/أكتوبر إعلانًا رسميًا تنادي من خلاله بإيجاد نهج متجدد للخدمات العمومية. و يهدف البيان إلى الاستجابة للأزمة البيئية المستشرية و أوجه عدم المساواة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، و يعطي في الوقت ذاته بديلاً ملموسًا للنموذج الليبرالي الحديث المهيمن الذي عجز عن تنفيذ الالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان و ضمان حياة كريمة للجميع بدون استثناء. و قد أطلقت منظمات المجتمع المدني و حركات
و تعتبر الوثيقة الخدمات العامة بوصفها حجر الزاوية في بناء مجتمع منصف و عادل، كما تعتبرها اساسًا لإرساء ميثاق اجتماعي يعكس القيم الأساسية للتضامن و المساواة و الكرامة الإنسانية. و في هذا الإطار، سيعقد اجتماع حول استراتيجية المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا في مطلع عام 2022 بهدف العمل على تنظيم حملات مشتركة و القيام بأنشطة للدعوة و وضع استراتيجيات عمل تخص قطاع الخدمات العامة، و ذلك انطلاقا من محتوى الوثيقة الأساسية.
و أكدت الجائحة على الحاجة المٌلِحة في إحداث تغيير في الاتجاه الحالي في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا. و لذلك ينبغي تبني سياسات جديدة مٌفضية إلى التحول من أجل تصحيح اختلالات التوازن و بناء مجتمعات مرنة و تكفل الاندماج الكامل للجميع، تكون قادرة على الاستجابة لمختلف الضغوط التي تفرضها الأزمات العالمية.
و تكتسي الخدمات العامة أهمية جوهرية في إنفاذ الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، بما في ذلك الحق في التمتع بالصحة. و يمكن تمويل هذه الخدمات على النحو الوارد في الوثيقة من خلال وضع نظام ضريبي عادل و خلق آليات للتضامن على المستويين المحلي و العالمي، مِثل شطب الديون.
إن للاتحاد الأوروبي دورًا يؤديه في التشديد على ضرورة حماية الخدمات العامة من اقتصاد السوق و التسويق التجاري و هيمنة القطاع المالي داخل الاتحاد الأوروبي و خارجه على حد سواء. و ينبغي أن يتجلى ذلك في سياسات الاتحاد الأوروبي المستقبلية المتعلقة بالجوار و في اتفاقاته التجارية الثنائية مع بلدان جنوب المتوسط.
فريديريك جوهانيسون و سارة جايمسون
و يٌرجى من أعضاء المجتمع المدني المهتمين بالمشاركة في رسم استراتيجية المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا التي جرى مناقشتها سلفًا الاتصال بـــــ سارة على البريد الالكتروني التالي