تعتبر كل من الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان ومنظماتها الأعضاء في الجزائر، جمعية عائلات المختفين والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن القانون الجديد حول الجمعيات لا يضمن حقوق الجمعيات الجزائرية كما تنص على ذلك الصكوك الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي لها أولوية على القانون الداخلي وفقا للدستور الجزائري نفسه. يتمثل قلقنا في هذه المذكرة في خمس مستويات: 1) حقيقة أن عملية تأسيس الجمعيات تتطلب إذن مسبق من الحكومة ؛ 2) ترتيبات طرق تمويل الجمعيات ؛ 3) حدود التعاون مع المنظمات الأجنبية؛ 4) النظام الذي تخضع له الجمعيات الأجنبية؛ 5) الشروط الفضفاضة التي يمكن من خلالها تعليق عمل الجمعيات أو حلها.
1. وفقا للقانون الجديد، لم تعد موافقة مسبقة من السلطات كافية لتأسيس الجمعيات. ولم يعد تأسيس الجمعيات خاضعا إذن للنظام الإشهاري الذي يتمثل في إشعار بسيط بتأسيس الجمعية لكنها باتت مشروطة بموافقة مسبقة من السلطات التي يفترض “أن تسلم الجمعية إيصالا بالتسجيل يعتبر بمثابة موافقة” أو”تأخذ قرارا برفض التسجيل” (المادة 8). وإذا كان هذا التشريع الجديد يقنن ممارسة معمول بها في الإدارات على نطاق واسع فهو يعزز سلطة السلطات الإدارية ولن يسمح بضمان تنظيم مستقل ونزيه للجمعيات.
ووفقا للقانون رقم 06-12، يمكن للسلطات أن ترفض تسجيل الجمعيات التي تعتبر أن أهدافها “تتعارض مع النظام العام والآداب العامة والقوانين والتنظيمات المعمول بها” (المادة 39). ويُخشى على أرض الواقع أن تستعمل السلطات الإدارية هذه المعايير غير الدقيقة لتمنع تأسيس العديد من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة التي تطالب بإلغاء قانون الأسرة أو جمعيات عائلات ضحايا صراع التسعينات كمنظمة عائلات المفقودين (SOS-Disparus) التي تناضل من أجل إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة رغما عن أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية[1].
وفي حال لم تتلقَ الجمعية أي رد من الإدارة، فيعتبر وضعها قانونيا حتى وإن كان ينبغي أن تنتظر إيصالا بالتسجيل لتتمكن من العمل قانونيا (المادة11). أما إذا ما تم رفض طلب التأسيس وربحت الجمعية الدعوى في المحاكم، فينص القانون على أن “الحكومة تتوفر على مهلة ثلاثة أشهر لإلغاء تشكيل الجمعية” (المادة 10). فهذا الامتياز الذي تم منحه للإدارة لن يعرقل فحسب هذه الإجراءات لكنه سيتيح للحكومة الوسائل اللازمة للسيطرة على جميع الحقول الجمعوية.
وعلاوة على ذلك، فالمادة 45 المثيرة للجدل من القانون 31-90 والتي تنص على عقوبة السجن “لكل من يرأس جمعية غير مرخص لها”، تمثل تهديدا على الناشطين في الجمعيات التي لم تتمكن من الحصول على الإيصال القانوني من السلطات. كما أنه في المادة 46 من القانون الجديد، لا تنطبق العقوبات فقط على ممثلي الجمعيات “غير القانونية” ولكن أيضا على الجمعيات “التي لم تسجل بعد أو التي تم تعليق أنشطتها أو تلك التي تم حلها”. وفي هذا الصدد، إذا كانت المادة 47 من مشروع القانون تقلص من مدة العقوبة وتزيد من قيمة الغرامة، فمن المؤسف أن يتم إلغاء أحكام القانون 31-90 التي تعطي القاضي حق الاختيار بين العقوبتين.
وإذا كان القانون 31-90 يشترط 15 عضوا مؤسسا من أجل تكوين الجمعية، الشيء الذي كان يعيق هذه الإجراء، والذي استنكرته الجمعيات أثناء الجمعيات العامة الاستثنائية[2]، فإن مشروع القانون المتعلق بالجمعيات يشترط عددا أكبر من المؤسسين لتكوين الجمعيات. وهكذا، ينبغي جمع 10 أعضاء مؤسسين لتأسيس جمعية في القرى و15 عضوا مؤسسا بالنسبة لجمعيات الولايات (ينبغي أن يكونوا على الأقل من 3 قرى) و21 عضوا بالنسبة للجمعيات الوطنية (ينبغي أن يكونوا من 12 ولاية)، في حين أنه يكفي شخصين فقط لتأسيس الجمعية.
2. لقد نص مشروع القانون على أن موارد الجمعيات يتم الحصول عليها من خلال منح “تُوافق” عليها الدولة أو البلدية أو المقاطعة (المادة 29). ومن الممكن تفسير هذا التعريف الغامض بشكل تعسفي من قبل السلطات المعنية التي يمكنها أن تراقب كل التمويل الذي يخص القطاع الجمعوي.
وبخلاف القانون الحالي الذي ينص على أن الجمعيات يمكنها أن تتلقى منحا وهبات من جمعيات أجنبية بعد الحصول على إذن مسبق من السلطات، فالقانون رقم 06-12 ينص على أنه “خارج إطار علاقات التعاون، سيتم حظر تلقي منح وهبات ومساهمات من أي “مفوضية أو منظمة أجنبية غير حكومية”. كما أن هذه المنح يجب أن تحصل على إذن مسبق من السلطات المختصة (المادة 30). سيحرم إذن هذا التشريع الجديد الجمعيات من مصادر التمويل الحيوية لاستمرارها في العمل. فضلا عن أنه بفرض إطار الاتفاقات أو ما يسمى “بالشراكات” ستحصل السلطات على وسيلة جديدة لفرض رقابة إضافية على موارد الجمعيات وعلى أنشطتها وشركائها وبالتالي التدخل في شؤونها الداخلية وتوجيه عملها.
وإذا كانت أحكام المادة 19 تعيد أحكام قانون 31-90[3]، فأحكام المادة 19 تتطرق للالتزامات التي ينبغي أن تمنحها الجمعيات للسلطات في نهاية كل جلسة عامة من محاضر الاجتماعات، التقارير المعنوية والمالية. الشيء الذي يفرض مزيدا من السيطرة على أنشطة الجمعية. ويتم الحكم على الجمعيات بغرامة بمجرد رفضها تقديم هذه المعلومات (المادة 20).
3. تم تعديل أحكام المادة 21 من قانون 1990 التي تنص على أن الجمعيات ذات الطابع الوطني فقط هي التي يمكنها أن تنضمّ لجمعيات دولية ولا يمكن لهذا الانضمام أن يتم إلا بموافقة من وزارة الداخلية. ويمكّن القانون الجديد جميع الجمعيات “المعتمدة” من الانضمام إلى جمعيات خارجية. لكن ينبغي إعلام وزارة الداخلية مسبقا بهذا الانضمام وإشعار وزارة الشؤون الخارجية. كما نص على أنه يمكن لوزير الداخلية أن يعارض مشروع الانضمام في غضون 60 يوما. وعلاوة على ذلك، يستلزم التعاون في إطار الشراكة مع الجمعيات الأجنبية والمنظمات الدولية غير الحكومية موافقة مسبقة من السلطات المعنية (المادة 23)، في حين أن القانون 31-90 لم يتضمن أي شرط بخصوص هذا الموضوع.
4. هناك سبب آخر يدعو للقلق وهو أن الجمعيات الأجنبية – أي الجمعيات التي يوجد “مقرها بالخارج أو التي يوجد مقرها داخل البلاد، ويديرها أجانب جزئيا أو كليا”(المادة 59)، تخضع لنظام مختلف تماما عن الجمعيات الوطنية. فعلى سبيل المثال، يتاح للسلطات المعنية مدة 90 يوما من أجل قبول أو رفض اعتماد الجمعيات الأجنبية في الوقت الذي كانت تطلب فيه 60 يوما للبت في طلبات تأسيس الجمعيات الوطنية على سبيل المثال (المادة 61).
وفضلا عن ذلك، تنص المادة 63 من القانون المعني على أن “طلب اعتماد جمعية أجنبية ينبغي أن يكون هدفه تنفيذ الأحكام الواردة في اتفاق بين الحكومة وحكومة بلد الجمعية الأجنبية من أجل تعزيز روابط الصداقة بين الشعب الجزائري وشعب الجمعية الأجنبية”، مما يمكّن السلطة من فرض اختيار أنشطة الجمعيات الأجنبية…وإذا كان هذا غير واضح، فالمادة 65 تنص على أنه يمكن تعليق الاعتماد أو سحبه “إذا ما كان هناك أي تدخل مسفر للجمعية في شؤون البلد المضيف أو قامت بأنشطة تمس بالسيادة الوطنية أو النظام المؤسساتي القائم أو الوحدة الوطنية وسلامة البلاد أو النظام العام والآداب العامة أو القيم الحضارية للشعب الجزائري”. ويفاقم غموض هذه الأحكام من تقييد حرية التجمع والتنظيم، ويدل على رغبة صريحة في طمس انتقادات الجمعيات الأجنبية.
وقد تم استهداف تمويل الجمعيات الأجنبية أيضا. حيث ينص القانون على أن مبالغ التمويل يمكن “أن تخضع لسقف محدد” (المادة 67).
5. وفيما يتعلق بتعليق أو حل الجمعيات، فقد عززت الإجراءات الجديدة من الرقابة على الحقل الجمعوي حيث يمكن أن يتم تعليق أنشطة الجمعية “إذا ما تدخلت في الشؤون الداخلية للدولة أو مست بالسيادة الوطنية” (المادة 39). إن هذا القانون الغامض سيحرم الجمعيات من القيام بدورها في التحليل والانتقاد وتقديم الدعم للدولة في تسيير سياستها العامة والذي يعد شرطا أساسيا لعمل أي ديمقراطية في العالم. وتعتبر منظماتنا بأن كل مواطن أينما كان له الحق في الاهتمام بشؤون بلاده وتذكر بأن المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية[4] تنص على أنه لا يجوز وضع قيود على حق حرية تكوين الجمعيات إلا تلك التي ينص عليها القانون “وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”.
وتنص المادة 43 على أنه يمكن حل الجمعية إذا “حصلت على تمويل من مفوضية أو منظمة أجنبية غير حكومية” أو “مارست أنشطة غير تلك المحددة في نظامها الأساسي”. ويُخشى أيضا أن تقوم السلطات الإدارية بتأويل تعسفي لهذا القانون الفضفاض المعنى. وكان الأدق والأكثر اتساقا مع القوانين الليبرالية أن يتم حل الجمعية إذا ما كان لأنشطتها “هدف” أو “أهداف” تتعارض مع نظامها الأساسي.
والأسوأ من ذلك، أن نفس المادة تنص على أن حل الجمعية يمكن أن تطالب به “جهات تتضارب مصالحها مع الجمعية”، مما يوحي بأن الجمعيات التي تدعمها أو تؤسسها الدولة (المنظمات غير الحكومية التي تمولها الدولة المعروفة باللغة الانجليزية باسم “GONGO”) يمكنها اللجوء للعدالة لتمنع الجمعيات المستقلة من مزاولة أنشطتها.
وفيما يتعلق بإجراءات تعليق أنشطة الجمعيات، يتخلى القانون الجديد عن مكسب قانوني في غاية الأهمية. فبينما كان تدخل القاضي منذ سنة 1990 ضروريا لتعليق أنشطة الجمعيات، تخلى القانون 06-12عن هذا المكسب حيث بات قرار إداري كافيا لتعليق أنشطة الجمعيات التي قد تكون لا تمتثل للقوانين، دون أن يتم تحديد هذه القوانين (المادة 41).
وأخيرا، وخلافا لتوصيات مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان[5] التي تؤكد على أنه “في حال اعتماد قانون جديد، ينبغي أن تواصل جميع المنظمات غير الحكومية المسجلة سابقا عملها بشكل قانوني وأن يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتحديث تسجيلها”، نجد أن المادة 70 تنص على أن “الجمعيات المسجلة في ظل قانون 31-90 عليها الامتثال للقانون وإيداع أنظمة أساسية جديدة وفقا للقانون”، مما يشكل خطرا على جميع المنظمات التي تأسست في ظل القانون القديم. ويتم حل الجمعيات أوتوماتيكيا بعد مرور هذا الأجل.