بعد مرور عشر سنوات على بداية الصراع الدائر حاليًا في سوريا، لا تزال الحروب تنهش عظام البلد في وقت تسود فيه ظاهرة الإفلات من العقاب على أبشع الجرائم و انتهاكات حقوق الإنسان التي تٌرتكب على نطاق واسع. فمنذ عام 2011 فقط، نَزح قسرًا ما يقرب من ستة ملايين سوري إلىى الدول المجاورة و ما وراءها بسبب الحرب الدائرة، في حين نزح ملايين آخرين داخل سوريا. و في الوقت نفسه، برزت مسألة عودة المهاجرين إلى أوطانهم (بما في ذلك أولئك الذين يبحثون عن الحماية) لتشكل محور التركيز الرئيسي للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي و غير الأعضاء على حد سواء، و التي عملت بشكل متزايد على صياغة سياساتها المتعلقة بالهجرة و اللجوء وفقاً لذلك، و خصصت التمويل لتسهيل عمليات عودة المهاجرين إلى أوطانهم.
و قامت الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق بتنسيق بحث معمق في السياسات و الممارسات المتعلقة بإعادة المهاجرين إلى أوطانهم المٌتبعة في جميع أرجاء المنطقة الأورو-متوسطية، تماشيا مع عملها المتعلق بميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة و اللجوء. و قد تم الكشف للتو عن الفصلين الأولين من هذا البحث و المٌخصصين لسياسات إعادة المهاجرين و خطر عملية الإعادة القسرية المتسللة من تركيا و لبنان بإتجاه سوريا.
حالات الإعتقال و التعذيب و حوادث الإختفاء التي يتعرص لها اللاجئون فور عودتهم إلى سوريا
تٌبْرز حالة قبرص بشكل لا يدع مجال للشك هوس الإتحاد الأوروبي في التمسك بمسألة عودة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية. و من شأن “هوس العودة” هذا، الذي أصبح الآن سياسة من خلال اعتماد ميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة و اللجوء، أن يضرب بعرض الحائط الحقوق الأساسية للمهاجرين و اللاجئين، بما في ذلك ضمان احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية.
و فيما يتعلق بلبنان، تٌحدِّد هذه الدراسة التحليلية معالم السياسات المتعلقة باعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية و الممارسات المٌطبقة على الحدود البرية والبحرية مع سوريا و قبرص، كما تتناول بالتحليل تأثير ذلك على حقوق النازحين السوريين في الحصول على الحماية الدولية. و تعكس عمليات عودة اللاجئين من لبنان و بروز طرق تهريب بحري إلى قبرص الافتقار إلى إمكانية الوصول إلى حماية دولية مٌجدية في لبنان، بحيث لا يتمتع سوى 20% من السوريين على تصريح إقامة قانوني.
و بدَّدت السلطات اللبنانية حظوظ السوريين في الحصول على عمل و مأوى و إقامة قانونية على الرغم من الوعود التي قطعتها للجهات المٌموِّلة التابعة للإتحاد الأوروبي. و هي بذلك تمارس الضغوطات على السوريين لقبولهم فرص العودة إلى بلدهم الأصلي حتى وإن لم تتوفر بعد شروط العودة الآمنة والكريمة. ويتعين على اللاجئين الراغبين في العودة إلى سوريا أن يتقدمو أولاً بطلب للحصول على تصريح أمني لدى أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام السوري. فقد وثَّقت الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان، في هذا الإطار، كيف يتم اعتقال اللاجئين العائدين إلى سوريا و احتجازهم و تعذيبهم و كيف يتعرضون للاختفاء القسري عند عودتهم إلى أرض الوطن.
“إن خيار العودة إلى سوريا ليس طوعيا على الإطلاق، سواء كان ذلك في لبنان أو تركيا”
أما فيما يخص تركيا، فيتضح جليًا كيف أن الحكومة تدعم بفعالية مسألة عودة المواطنين السوريين إلى بلدهم الأصلي و هو ما يٌترجمه تسييسها بشكل متزايد للسياسات المتعلقة بموضوع اللجوء. و يستخدم موظفو الدولة التركية أساليب غير مشروعة عند جمع التوقيعات على استمارات العودة “الطَّوعية”، بحيث تٌستعمل هذه الاستمارات بعد ذلك في التلاعب بالطعون التي يقدمها اللاجئون و حتى رفضها أو عرقلتها أو تلك الطعون التي تقدمها المنظمات التي تٌشكِّك في مدى احترام حرية الإرادة التي تٌمارس أثناء التوقيع على مثل هذه الإستمارات، فضلا عن مدى انتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية. و يعتبر الغاء صفة الحماية المؤقتة لفائدة اللاجئين بسبب مشاكل تتعلق بالتسجيل أحد الأسباب الأكثر شيوعًا التي يٌزعم أن تقف وراء الإعادة القسرية للاجئين. و رغم أنه كثيرًا ما يتم اتهام المواطنين السوريين “بتهديد النظام العام و الأمن و الارتباط بالإرهاب“، إلا أنها تبقى اعتبارات مٌحددة بشكل فضفاض جدًا و تٌنفذ بطريقة تعسفية.
و تٌظهر قصص اللاجئين الواردة في هذه البحث أن سوريا ليست بمكان آمن لأي شخص للعودة إليها بسبب ارتفاع احتمال خطر التعرض للاضطهاد. و يٌشكل الاقتتال الذي تدور رحاه حاليًا بين الحكومة السورية والجماعات المسلحة و افتقار البلاد لخدمات مناسبة و بنى تحتية أساسية عقبة تحول دون التخطيط للعودة الآمنة و“الطَّوعية” و الكريمة للاجئين السوريين إلى بلدهم. و لا يمكن اعتبار خيار عودة اللاجئين إلى سوريا بالأمر “الطوعي” على الإطلاق سواء تعلق الأمر بلنبان أو تركيا؛ فالذين يقبلون بالعودة طواعية يٌضطرون إلى القيام بذلك إما بسبب العقبات التي يواجهونها في الوصول إلى سبل العيش المستدامة و الحياة الكريمة أو بسبب سياسة التَّضليل التي تمارسها السلطات في حقهم.
البرلمان الأوروبي يعرب عن موقفه علنًا !
لهذا السبب، تواصل الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق حث الإتحاد الأوروبي و الدول الأعضاء به للامتناع عن تقديم الدعم المالي لأي برامج من شأنها تحفيز عودة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية. وبدلاً من ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يوفر المزيد من فرص إعادة التوطين لفائدة للاجئين و زيادة السبل القانونية المتاحة لهم، دون صرف النَّظر عن ايلاء مزيد من الرَّصد و المراقبة لمدى امتثال البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمقتضيات الاتفاقيات المبرمة بينه و بين هذه الدول.
و كان البرلمان الأوروبي قد اتخذ يوم 11 مارس /آذار 2021 قرارًا يدين فيه بشدة “جميع الأعمال الوحشية و انتهاكات حقوق الإنسان و انتهاكات القانون الإنساني الدولي في سوريا، و لا يشمل ذلك الانتهاكات التي يرتكبها نظام الأسد فحسب بل أيضًا من جانب روسيا و إيران و تركيا“، و يلفت انتباه “جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن سوريا ليست بلداً آمناً يمكن العودة إليه و يَعتقد أن أي عودة يجب أن تكون آمنة و طوعية و كريمة و مبنية على خيارات مستنيرة“.
و تعتبر هذه الخطوة خطوة إيجابية ينبغي أن تنعكس في الممارسة العملية و يجب أن تٌمهد الطريق لتحسين حماية حقوق الإنسان و تحقيق المزيد من العدالة و تعزيز مبدأ المساءلة.
سارة بريستاني، مسئولة برنامج الهجرة و اللجوء
يمكن مشاهدة تسجيلات الفيديو الخاصة بالندوة الشَّبكية التي نظمتها الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق تحت عنوان “العدالة و المساءلة و عودة اللاجئين في سوريا”