تعرب منظمات حقوق الإنسان الليبية والعربية الموقعة أدناه عن عميق قلقها بشأن القانون رقم 65 لسنة 2012، الذي أصدره مؤخرًا المؤتمر الوطني العام في ليبيا بغية تنظيم حق التظاهر السلمي. ونحن إذ نقر بالعناصر الإيجابية التي اشتمل عليها القانون، فإن قلقنا لا يزال قائمًا لأن الكثير من جوانب هذا القانون لا تدعم معايير حقوق الإنسان الدولية.
نحن نعتقد أن تقييد حق المواطنين الليبيين في التجمع، وفرض قيود لا مبرر لها على هذا الحق يعارض أهداف وتطلعات الشعب الليبي. ونعتقد أيضًا أن تعديل هذا القانون لكي يتطابق مع معايير حقوق الإنسان من شأنه أن ينشر السلام والأمن في ربوع ليبيا. ونحن كمنظمات وناشطين في حقوق الإنسان من ليبيا والعالم العربي نُهيب بالحكومة الليبية القائمة بأن تُنقح أحكام القانون التي تجرم –أو تحد دونما ضرورة– قدرة المواطنين على التعبير عن أنفسهم عن طريق التجمع سواء أكان هذا التجمع تلقائيًا أم منظمًا.
إننا نرحب بإقرار القانون أن التظاهر السلمي هو أحد حقوق الإنسان الأساسية طبقًا لما نص عليه الإعلان الدستوري الليبي والقانون الدولي. وكما تشير المادة الثانية من القانون بوضوح بأن حق التجمع السلمي والحاجة إلى الحفاظ على الأمن والنظام ليسا متعارضين، بل نؤكد إنهما عنصران يكملان بعضهما بعضًا في جميع المجتمعات الحرة والديمقراطية. بيد أن ثَمة عددًا من أحكام القانون تناقض تلك التأكيدات المبدئية.
المادتان الثانية والثالثة
يشوب المادتان الثانية والثالثة الغموض في لغتهما حيث منعتا التجمعات التي تؤدي إلى عرقلة سير المرافق العامة، مثل الطرق ومؤسسات الحكومة، وهو ما لا يمكن اتخاذه ذريعة من أجل تقييد التجمعات، حيث يقع على عاتق الحكومة مسئولية توفير مسارات بديلة لحركة المرور وكذلك توفير السلامة العامة مع ضمان الحق الأساسي في التجمع. إن المنظمات الموقعة على هذا البيان تُشدد على الإقرار بأن استخدام التجمعات للمناطق العامة لا يقل من حيث المشروعية عن أي استخدام عام آخر.
المادة الرابعة
إن اشتراط المادة الرابعة من القانون أن تكون لجنة من المنظمين مسئولة عن الحفاظ على النظام أثناء المظاهرة يعتبر اشتراطًا يخالف المعايير الدولية، فطبقًا لتقرير المقرر الخاص لدى الأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وإنشاء الجمعيات (التقرير A/HRC/20/27)، فإن الدولة –في حالة التجمع– هي من تتحمل المسئولية الأولى عن الحفاظ على النظام العام وتوفير السلامة للمتظاهرين وغيرهم على السواء وذلك بحسب ما أشارت إليه ضمنًا المادة السادسة فقرة (ب) من القانون. ولقد أشار المقرر الخاص في هذا التقرير إلى أن الممارسة المثلى في هذا المجال تسمح لمنظمي المظاهرة بتعيين ممثلين للمساعدة في تنظيم التجمع، على سبيل المثال بإبلاغ المشاركين وتوجيههم وعلى الرغم من ذلك فإن التقرير يؤكد أيضًا أنه يجب عدم جعل المنظمين أو المشاركين مسئولين عما يقوم به آخرون من أعمال، ولا أن يكون المنظمون أيضًا مسئولون عن الحفاظ على النظام العام أثناء المظاهرات، ذلك لأن الحكومة ملتزمة بالحفاظ على حقوق مواطنيها وتوفير الأمان لهم في الوقت ذاته.
المادتان الخامسة والسادسة
تُلزم المادة الخامسة من القانون المنظمين بإخطار السلطات بأي تجمع بمدة 48 ساعة مقدمًا. ونحن نقر بأن القانون ينص على مدة إخطار أفضل إذا ما قورنت بقوانين بعض الدول ونهنئ الحكومة الليبية على اختيارها نظام خاص بالإخطار بدلاً من نظام يقضي بالحصول على ترخيص مسبق لعمل التجمعات. ورغم ذلك فإن المادة السادسة الفقرة (أ) من القانون تخول للسلطات صلاحيات غير محدودة في أن تغير –بشكل تعسفي– زمان التجمع ومكانه. كان من الواجب على القانون توضيح أن أي تعديل على زمان التجمع أو مكانه يجب أن يكون للضرورة، ما يعني أنه يجب على السلطات الالتزام بتطبيق أقل أساليب التقييد الممكنة للوصول إلى أهدافها المشروعة، كما ينبغي عليها ألا تفرض شروطًا إلا إذا كانت تلك الشروط للضرورة مطلقة. كذا يجب على السلطات مراعاة أن تكون المظاهرة في حدود “مرأى ومبلغ صوت” جمهور المتظاهرين المستهدف في أي تعديلات قد يتطلبها الأمر، ذلك لأن الزمان والمكان عناصر هامة تؤثر على فاعلية تلك التجمعات. وإضافة إلى ما تقدم فإن القانون يتخذ من “تعطيل مصالح الدولة” مبررًا –من بين مجموعة مبررات– لتغيير زمان ومكان المظاهرة، ويجعلنا غموض ذلك النص، غير المبرر، نتجه إلى أنه يهدف لفرض المزيد من القيود.
لم يستثن القانون التجمعات التي تنطوي على عدد محدود من المشاركين أو لا تؤدي إلى أي تعطيل للآخرين من شرط الإخطار. وبالمثل فإن الاستثناءات يجب أن تكون متناسبة مع المظاهرات التلقائية وعلى السلطات حماية تلك المظاهرات وتيسير حدوثها أينما حدثت ما دامت سلمية من حيث الطبيعة.
المادة السابعة
المادة السابعة من القانون في فقرتها (أ) تخول السلطات صلاحية منع التجمهر لأسباب أمن عامة. فالحفاظ على الأمن وإن كان غرضًا مشروعًا فإن الاستخدام المعتاد للعبارة الغامضة “الأمن العام” قد يقمع بشدة الممارسة المشروعة للحق في التجمع. وبناءً على ما تقدم فإن جميع القرارات التي تحظر التظاهر يجب أن تنص على أنها خاضعة للمراجعة القضائية كضمانة ضد إساءة استعمال تلك المبررات. وأيضًا يجب أن يشتمل القانون على صياغة تؤكد أن اقتراح حظر التظاهرات يكون فقط عند الضرورة، وبما يتناسب مع تلك الضرورة، وأن يعتبر ذلك بمثابة ملاذ أخير في حالة وجود تهديد خطير بوقوع أعمال منافية للقانون أو ارتكاب جرائم. وإضافةً إلى ما ذكر يجب أن يكون المنطق وراء أي قرار لتقييد أي تجمع أو حظره ضمن القرار المعني والنص علي ذلك صراحةً.
لا يوضح القانون في الوقت الحالي ما إذا كان يسمح بالطعن الرسمي على القرارات التي تُقيد المظاهرات أو تحظرها، وإن كان القانون قد أعطى لمنظمي التجمع حق التظلم لوزير الداخلية من أمر المنع (نص المادة السابعة في فقرتها جـ) ولكنه لم يذكر الخطوات العلاجية التي يتعين اتخاذها، كما كان من المفترض أن ينص القانون بوضوح على إجراء مراجعة من أي جهة إدارية تكون لها صلاحية إلغاء القرار الأول ولكن هذا لم يحدث. وبالإضافة إلى ذلك كان من الواجب أن ينص القانون بوضوح على خضوع أي قرار صادر عن أي سلطة تنظيمية للطعن أمام محكمة أو هيئة قضاة مستقلة.
المادة الثامنة
طبقًا لما جرى عليه نص المادة الثامنة من القانون في الفقرة (أ) فإن فض المظاهرة بعد بدايتها يُسمح به فقط في حالة عدم الالتزام بالشروط الفرعية للمظاهرة. نحن نرى إن ارتكاب أفراد من المتظاهرين لأية أعمال عنف أو تخريب لا يستدعي فض المظاهرة ككل، ولكن يتعين على السلطات في تلك الحالة أن تبذل كل جهد من أجل إخراج هؤلاء الأفراد من المظاهرة. إن فض المظاهرات يجب أن يكون الملاذ الأخير للسلطات، وينبغي عدم اللجوء إليه استنادًا فقط إلى عدم التقيد بالشروط الفرعية للتظاهر.
المادة التاسعة
ندرك أن ليبيا قد شهدت عددًا من التجمعات التي اتصفت بالعنف خلال الأشهر الأخيرة ولذلك فإن المادة التاسعة من القانون الجديد قد حظرت، بحق، حمل الأسلحة خلال المظاهرات. وفي نفس الوقت يتعين على السلطات أن تضمن اتساق القانون الليبي مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، بما في ذلك التأكد من أن القانون يفرض بنص واضح على قوات الأمن “تقييد استخدام القوة إلى أدنى حد ضروري” من أجل فض أي تجمع إذا ما كان من اللازم ذلك، ويجب أن يتضمن القانون أيضًا المساءلة في حالة استخدام القوة المفرطة. وفي هذا الصدد فإن المنظمات الموقعة على هذا البيان تهيب بالسلطات الليبية أن تقر إرشادات واضحة للسيطرة على استخدام الأسلحة النارية من جانب قوات الشرطة خلال حالات التجمهر بغية أن يأتي تدريبهم وسلوكهم متسقًا مع المعايير الدولية.
المادة العاشرة
المادة العاشرة من القانون هي أكثر مواد القانون تعسفًا، وذلك لأنها تفرض عقوبات جنائية على التجمهر انتهاكًا للقانون. وعلى الرغم من إمكانية إيقاع العقوبات الجنائية في حالة الأفراد الذين يرتكبون أعمالاً إجرامية في سياق أي مظاهرة فإن تنظيم مظاهرة، أو الاشتراك فيها، هو فعل يجب ألا يُعاقب عليه بالسجن، حتى وإن لم تتوافر لها المعايير التي نص عليها القانون، على عكس ما ينص عليه القانون بشكله الحالي. إن حرية التجمع ليست هبة من الدولة تَمِن بها على الشعب وتكسوها ثوب المشروعية فقط إن أقرتها سلطاتها، بل هو حق أساسي للمواطنين يجب على الحكومة حمايته. إن الإبقاء على تلك العقوبات من شأنه أن يُخلف أثرًا سلبيًا بأن يثني المواطنين عن ممارسة حقهم الأساسي في حرية التجمع.
إن المنظمات الليبية والعربية الموقعة على هذا البيان تؤكد أن ممارسة الحق في التجمع السلمي قد لعب دورًا محوريًا في التحول نحو الديمقراطية في جميع البلدان العربية بما فيها ليبيا. وعليه فمن الواجب وجود تشريع يحمي هذا الحق ويعززه، ولكننا نؤكد أن هذا التشريع يجب أن يصاغ بالتشاور مع مختلف قطاعات المجتمع، لاسيما منظمات حقوق الإنسان، وكذلك الحركات السياسية والعمالية. بالإضافة إلى ما تقدم فإن ذلك التشريع يجب –دائمًا– أن تكون قاعدته الأصيلة هي الاعتراف بأن الحق في التجمع هو واحد من أهم الحقوق المدنية والسياسية وأن نشر هذا الحق وحمايته هما مسئولية أولى على عاتق الحكومة. ومن ثم فإن المنظمات الموقعة على هذا البيان تُهيب بالسلطات الليبية أن تعيد النظر في الأحكام العديدة التي اشتمل عليها القانون الماثل، والتي تتعارض مع هذا النهج.
المنظمات الموقعة
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مصر
محامون من أجل العدالة في ليبيا، ليبيا
مؤسسة ليبيا الجديدة، ليبيا
مؤسسة رشاد، ليبيا
جمعية يجرتن للثقافة والتنمية الأمازيغية، ليبيا
منظمة قفزة، ليبيا
منتدى شباب الكفرة، ليبيا