تم تبني المسودة دون توافق سياسي وسط أزمة شرعية
(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن المسودة النهائية للدستور التي وافقت عليها الجمعية التأسيسية المصريةالمكونة من 100 عضو في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 توفر بعض الحماية للحقوق إلا أنها تقوض حقوق جوهرية تماماً. تنص المسودة، التي تمت الموافقة عليها في غمار أزمة سياسية بين الرئيس والقضاء، على تدابير حماية أساسية ضد الاحتجاز التعسفي والتعذيب وعلى بعض الحقوق الاقتصادية، غير أنها لم تضع حداً للمحاكمات العسكرية للمدنيين أو تحمي حرية التعبير أو حرية العقيدة.
اتسمت عملية صياغة الدستور بالخلافات الحادة، واستقال عددٌ من أعضاء الجمعية احتجاجاً على ما وصفوه بإخفاق الفصائل الإسلامية المهيمنة في التوصل إلى حلول وسط بشأن القضايا المحورية، بما فيها موضع الدين من شؤون الدولة. يأتي القرار في أعقاب إعلان الرئيس محمد مرسي الدستوري المثير للجدل، بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني، الذي حصّنقراراته من المراجعة القضائية.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إن قرار قادة الجمعية التأسيسية باستعجال التصويت على مسودة معيبة ومتناقضة ليس بالطريقة الصحيحة لضمان الحقوق الأساسية أو تعزيز احترام سيادة القانون. ومن شأن استعجال المسودة، على الرغم من الإخفاق في معالجة المخاوف العميقة بشأن حماية بعض الحقوق الأساسية، أن يؤدي إلى مشاكل هائلة في المستقبل، لن يسهل حلها”.
تنص المادة 60 من إعلان 30 مارس/آذار الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري الحاكم [في ذلك الوقت] على تنظيم استفتاء على الدستور بعد 15 يوماً من موافقة الجمعية التأسيسية على مسودته. أضرب القضاة في العديد من دوائر المحاكم في أرجاء البلاد احتجاجاً على إعلان الرئيس مرسي الدستوري، ولم يتضح ما إذا كانوا سيوافقون على الإشراف على الاستفتاء، كما يشترط القانون.
أرسلت هيومن رايتس ووتش إلى الجمعية التأسيسية في 8 أكتوبر/تشرين الأول خطاباًيبين الخطوط العريضة لأهم المخاوف المحيطة بالنصوص المتعلقة بحقوق مختلفة، استناداً إلى مسودة للدستور بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول. قالت هيومن رايتس ووتش إنه قد تم إدخال بعض التحسينات على المسودة النهائية، مثل حظر التعذيب، وحذف نصوص أخرى لا تتفق مع قانون حقوق الإنسان وكان من شأنها تقييد حرية التعبير أو ممارسة الشعائر الدينية دون مسوغ.
قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة الباب الثاني من المسودة النهائية، بعنوان الحقوق والحريات، كما تابعت الجلسة المتلفزة التي صوتت الجمعية التأسيسية فيها على كل مادة من المواد. ينص باب الحريات على تدابير حماية قوية ضد الاحتجاز التعسفي في المادة 35 والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية في المادة 36، وحرية التنقل في المادة 42، وسرية المراسلات في المادة 38، وحرية التجمع في المادة 50، وتكوين الجمعيات في المادة 51. لكن المسودة الأخيرة، على عكس سابقتها، امتثلت لاعتراضات القيادة العسكرية للبلاد وأزالت الحظر الواضح لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
وتشمل أهم المخاوف ما يلي:
حماية الحقوق
تنص المادة 81 على أنه لا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها المبين في الدستور، إلا أنها تمضي لتقول إنه “تُمارس هذه الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المبادئ الواردة في باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور”. وتشمل نصوص ذلك الباب المادة 10، التي يرد فيها “تحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية”، والمادة 11 التي ورد فيها “ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام”. تتميز هاتان المادتان، كما قالت هيومن رايتس ووتش، بلغة فضفاضة، مفتوحة للتأويل، ومتاحة لتبرير تقييد الحقوق الأساسية على نطاق واسع. كما يبدو أنها تضع “الطابع الأصيل للأسرة” والآداب والنظام العام، فوق الحقوق الأساسية.
حرية التعبير
تحمي المادة 45 حرية التعبير دون أن تنص على القيود المشروعة المسموح بها، ولا على كيفية موازنة هذا الحق مع المادة 31، التي تقرر أنه “لا يجوز بحال إهانة أي إنسان أو ازدراؤه”، والمادة 44 التي تحظر “الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة”. لا تمثل المادتان 31 و44 قيوداً مشروعة على حرية التعبير بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي، ومن شأنهما إضفاء الصعوبة، إن لم نقل الاستحالة، على أي إصلاح جدي لأحكام قانون العقوبات القائم التي تجرم “الإهانة” والتشهير، وهي الأحكام التي كثيراً ما استُخدمت في الماضي لملاحقة منتقدي الحكومة. تزايدت الدعاوى القضائية بتهمة “إهانة الرئيس” أو “إهانة القضاء” منذ تولي الرئيس مرسي لمهام منصبه.
حرية العقيدة
المادة 43 الخاصة بحرية العقيدة، تقصر الحق في ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة على المسلمين والمسيحيين واليهود. كانت المسودات الأسبق تنص على الحق العام في ممارسة الشعائر الدينية لكنها تقصر إقامة دور العبادة على أتباع الديانات السماوية الثلاث. تميز المادة 43 ضد أتباع الديانات الأخرى وتستبعدهم، بمن فيهم المصريين البهائيين. في ظل الرئيس السابق حسني مبارك، كثيراً ما كانت قوات الأمن تعتقل أفراداً من الأقليات الدينية مثل الشيعة والأحمدية والبهائيين والقرآنيين، بسبب معتقداتهم.
المحاكمات العسكرية للمدنيين
تخفق المسودة النهائية في وضع حد لمحاكمة المدنيين عسكرياً، وتتراجع عن الصياغة الخاصة بباب الحقوق في مسودة ترجع إلى 11 نوفمبر/تشرين الثاني لا أكثر، والتي تنص المادة 75 منها على أنه “لا يجوز محاكمة مدني أمام نظام العدالة العسكرية”. حذف أعضاء الجمعية هذه الصياغة بعد اعتراض رسمي من مسؤولي القضاء العسكري. وتنص المادة 198 من المسودة النهائية الآن على أنه “لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم”، مما يترك سلطة العسكريين التقديرية لمحاكمة المدنيين بموجب قانون الأحكام العسكرية، دون مساس.
حقوق المرأة
من التطورات الإيجابية أن المسودة النهائية تخلت عن المادة التي كانت المادة 68 في مسودات سابقة، وكانت تنص على إخضاع حق المرأة في المساواة للتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهو النص الذي طالب به بقوة أعضاء الجمعية من السلفيين. ومع ذلك فإن المسودة لم تعد تدرج “النوع” ضمن مسوغات حظر التمييز، حيث أنها لا تذكر أية مسوغات. تنص المادة 30 الآن على أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك” دون أن تحدد الفئات التي يغطيها هذا النص. عند قراءة هذه المادة مع المادة 10، يصبح الإخفاق في الإشارة المحددة إلى التمييز على أساس النوع إشكالياً، كما قالت هيومن رايتس ووتش. تقرر المادة 10 أنه:
تكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام. وتولي الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن دور الدولة يجب أن يقتصر على ضمان المساواة وعدم التمييز، دون تدخل في اختيارات المرأة بشأن حياتها أو أسرتها او عملها، ولا في تبرير التمييز على هذا الأساس. علاوة على هذا فقد تم حذف الصياغة التي كانت تحظر الإتجار في النساء في مسودة سابقة من المسودة النهائية.
وضع الالتزامات الدولية
تنص المادة 145 على أن الرئيس يبرم المعاهدات، ويُصدق عليها بعد موافقة مجلسي الشعب والشورى، ثم: “لا يجوز إقرار أي معاهدة تخالف أحكام الدستور”. كانت هيومن رايتس ووتش قد دعت أعضاء الجمعية التأسيسية إلى إدراج نص يدمج حقوق الإنسان كما تعرفها المعاهدات الدولية التي صدقت عليها مصر، يدمجها مباشرة في القانون المصري، وهذا لتدعيم الأساس اللازم لتعديل الكثير من القوانين المحلية المقيدة للحقوق. في يناير/كانون الثاني نشرت هيومن رايتس ووتش تقريراًيدعو البرلمان إلى تعديل الكثير من القوانين القمعية، قائلة إن إصلاح هذه القوانين يجب أن يكون أولوية تشريعية.