كوبنهاغن، جنيف، باريس: بمناسبة انعقاد اجتماع مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي في 23 حزيران/يونيو، وصدور التقرير الأخير عن بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات، فإنّ الشبكة الأوروبية-المتوسّطية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تعبّر عن بالغ قلقها من استمرار تدهور وضع حقوق الإنسان في مصر.
وكما ذُكِر في البيان الأولي الصادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات، فقد أقيمت الانتخابات في مصر في سياق شهد تضييقًا لمساحة التعبير الديمقراطي، وخنقًا لأشكال المعارضة كافة والانتقاد بما فيها تلك الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من إدراج ضمانات لحقوق الإنسان في الدستور المصري الجديد الذي أقرّ عددًا من حقوق الإنسان، أظهرت التطورات الأخيرة أن مؤسسات الدولة تستمرّ في انتهاك عدد كبير من حقوق الإنسان بشكلٍ فاضح. ولا بدّ أن يذكّر الاتحاد الأوروبي هذه المؤسسات بواجباتها القانونية الوطنية والدولية وأن يدعو الرئيس الجديد والحكومة الجديدة إلى وضع حماية حقوق الإنسان وتعزيزها على رأس لائحة أولويّاتها.
لا تزال رقعة حرية التجمّع وإنشاء الجمعيات والتعبير آخذة في الانكماش، حيث لا تزال الشخصيات المعارِضة والنشطاء السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان وداعمو الرئيس المخلوع محمّد مرسي وغيرهم من المعارضين يتعرّضون للسجن. وقد أقرّ مسؤولون حكوميون أن السلطات قد اعتقلت 16000 شخصًا على الأقل منهم 1000 متظاهرٍ منذ 25 كانون الأول/يناير 2014. وقد أُلقي القبض على كثير منهم لمجرّد ممارستهم حقّهم بحريّة التجمّع وتأسيس الجمعيات والتعبير سلميًّا أو لمزاعم تتعلّق بانتمائهم إلى الإخوان المسلمين.
في 21 حزيران/يونيو، اعتقلت الشرطة 30 ناشطا في مصر الجديدة على خلفية مشاركتهم في مسيرة إسقاط “قانون التظاهر” القمعي. وقد افيد أن بعض المعتقلين تعرضوا لسوء المعاملة، بما في ذلك الضرب أثناء القبض عليهم وفيما بعد في مخفر الشرطة. وبعد التحقيقات التي قام بها الأمن الوطني، تم الأفراج عن سبعة معتقلين، في حين تم سجن الآخرين. مثل المتهون أمام المدعي العام يوم الأحد الماضي ووجه إليهم تهم خرق قانون الاحتجاج، وإتلاف الممتلكات العامة، والمشاركة في مسيرة تهدف إلى تكدير السلم العام، وحيازة مواد حارقة، واستخدام العنف بقصد ترويع المواطنين. ونظرا للتهم الموجهة ولقضايا مماثلة مؤخرا، تعرب منظماتنا عن قلقها الشديد من أن تؤدي المحاكمة إلى أحكام غير متناسبة بصورة فادحة. ومن بين المعتقلين مدافعتين عن حقوق الإنسان: يارا سلام من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ألقي القبض عليها بالقرب من منطقة الاحتجاج مع أنها لم تكن تشارك فيه؛ والناشطة سناء سيف من مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية” البالغة من العمر 18 عاما وهي شقيقة الناشط علاء عبد الفتاح.
في 15 حزيران/يونيو، صادرت القوى الأمنية المصرية العدد الأخير من مجلّة “وصلة” التي تنشرها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وقد ألقت القبض كذلك على عامل كان يعمل في المطبعة حيث كانت المجلّة تطبع، وقد اتُهم بحيازة منشورات تدعو إلى الإطاحة بالنظام والترويج لمنظمة إرهابية. والأمر سيّان في 22 أيار/مايو، حين اقتحمت قوات الأمن المصرية المركز المصري للحقوق السياسية والاجتماعية. وتظهر هذه القضايا نمطًا متواصلًا من أنماط مضايقة مجموعات المجتمع المدني المستقلّة.
وتثير الممارسات القانونية التي حصلت مؤخرًا شكوكًا قويّة حول استقلالية القضاء وقدرته على المحاسبة. ففي الشهرين الماضيين، أصدرت محاكم الدرجة الأولى أحكامًا بالإعدام بحق أكثر من ألف شخص يُزعم أنهم مسؤولون عن مقتل شرطيَين. ولا يزال المدافعون عن حقوق الإنسان وناشطون في المجتمع المدني هدفًا للإجراءات القانونية العشوائية. وفي 11 حزيران/يونيو 2014، بدا استخدام القضاء المصري لكم أفواه المعارضين واضحًا. فقد اتُّهم الناشط المصري علاء عبد الفتاح و24 غيره بانتهاك قانون التظاهر المصري وحكم عليهم بالسجن لخمس عشرة سنة يتبعها خمس سنوات من الوضع تحت مراقبة الشرطة وغرامة بقيمة 100000 جنيه مصري (أي ما يقارب 10327 يورو). وكانت جلسة استماع السيد عبد الفتاح والمتهمين الآخرين قد عقدت أبكر من المتوقّع ما حال دون حضورهم.
ويأتي اجتماع مجلس الشؤون الخارجية بعد مرور سنة تقريبًا على المجزرة الجماعية بحق المتظاهرين في 14 آب/أغسطس 2013 في ميدان رابعة بعد خلع الرئيس السابق محمد مرسي. ولم تقم السلطات المصرية حتى اليوم بمساءلة أيٍ من عناصر الجيش والشرطة حول تكرار استخدام العنف المفرط القاتل. وعلى الرغم من التصريحات تفيد العكس، لم يقم المدّعون العامّون بالتحقيق مع أي عنصر أو ضابط في الجيش أو الشرطة لاستخدامهم غير الشرعي للعنف في حين تم احتجاز آلاف المتظاهرين بناءً على مزاعم تتعلّق بانتهاكهم قانون التظاهر الجديد.
بالإضافة إلى ما سبق، وعلى الرغم من صدور قانون جديد حول التحرش الجنسي، استمرّ العنف ضد المرأة في التفاقم، وخصوصًا على الساحة العامة بحصول العشرات من حالات الاغتصاب والعنف الجنسي أثناء التظاهرات. ولا تزال هذه القضايا تمرّ من دون اهتمام وهو ما يقوّض مشاركة المرأة في الحياة العامّة. ويقع على عاتق الدولة واجب حماية المشاركين في التظاهرات السلمية وبالأخصّ حماية المرأة من العنف والتمييز.
وعلى ضوء ما تقدّم، فإننا ندعو مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي وبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات للتطرّق إلى انتهاكات حقوق الإنسان المستمرّة كما ذكرت أعلاه في تقريره الأخير[2] وإلى حثّ السلطات المصرية على:
– ضمان التنفيذ الكامل لمندرجات الدستور الجديد المتعلّقة بالحقوق والحريات الأساسية بما فيها الحق في التعبير والتجمّع.
– ضمان حرية التعبير والتجمّع وإنشاء الجمعيات بشكلٍ عام وفي أثناء الانتخابات بشكلٍ خاص.
– إنهاء ظاهرة المضايقة السياسية والاعتقال العشوائي وإسقاط التهم الموجّهة ضد الأشخاص الذين اعتقلوا لمجرّد ممارستهم حقوقهم في التعبير الحرّ وإنشاء الجمعيات والتجمّع وإطلاق سراحهم، ووقف الاعتقالات المستمرّة ومحاكمة المتظاهرين لمجرّد ممارسة حقهم في حرية الرأي والتجمّع بحجة انتهاك قانون التجمّع و\أو غيره من التشريعات والامتناع عن اعتقال الأشخاص من دون تهمة أو محاكمتهم لتعبيرهم عن رأيهم، إلخ.
– الدخول في حوار حقيقي مع منظمات المجتمع المدني والخبراء القانونيين حول قانون التجمع والتظاهر بالإضافة إلى مسودة قانون إنشاء الجمعيات وضمان مطابقتها المعايير الدولية.
– اتخاذ تدابير صارمة لوقف التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة بما يشمل إصلاح الأجهزة الأمنية لضمان المحاسبة عن أي انتهاك.
– اعتماد استراتيجيات وطنية لمحاربة العنف ضد المرأة وإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة وضمان الاستشارة العمليّة لمجموعات حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني واشتراكها في سير العملية.
– ضمان المحاسبة عن انتهاك حقوق الإنسان بما يشمل توفير الخدمات القضائية المستقلّة والحيادية.