اتخذت اسبانيا منعطفًا جديدًا في علاقاتها مع المغرب و الذي تضع من خلاله “حدًا للأزمة السياسية” بين البلدين بحسب ما أعلنت عنه الحكومة الإسبانية يوم 18 آذار/مارس 2022. و تعود أسباب هذا الخلاف السياسي القائم منذ زمن طويل إلى اختلاف جوهري في وجهات نظر البلدين بشأن مسألة الصحراء الغربية، و هي إقليم اسباني سابقًا ضمَّه المغرب في عام 1975. و بذلك، تعلن اسبانيا عن دعمها لخطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرةَ إياها بمثابة الأساس “الأكثر جدية و واقعية و مصداقية” لحل هذا النزاع. و بهذا تقتفي إسبانيا، بصورة أوضح، أثار بلدان مثل ألمانيا و فرنسا.
و لا يمكن عزل التغير الذي طرأ على عقيدة اسبانيا فيما يخص مسألة الصحراء الغربية عن قضايا الهجرة و الضغوطات التي مارسها المغرب على اسبانيا بعد قدوم زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، للاستشفاء من فيروس كورونا في شهري نيسان/أبريل و ايار/مايو من العام المنصرم. و لم يمر سوى شهر بعد ذلك حتى شهد جيب سبتة الإسباني، الواقع على الساحل الشمالي للمغرب، وصول أعداد هائلة من المهاجرين بعد أن قام المغرب بتخفيف المراقبة على حدوده. و تعتبر هذه الخطوة، التي وصفها وزير الدفاع الإسباني وقتها بــــ “الابتزاز”، جزء من أسلوب ينتهجه المغرب لإجبار أوروبا على قبول وجهة نظره بشأن مسألة الصحراء الغربية من خلال استخدام ورقة الهجرة.
هل نحن أمام ازدواجية في المعايير؟
و لم تتوانى الجزائر عن الرد على هذا الموقف الإسباني الجديد من خلال استدعاء سفيرها هناك، و هو ما يٌنذر بحدوث أزمة مفتوحة بين اسبانيا و الجزائر، التي تعتبر إحدى الموردين الرئيسين للغاز إلى الاتحاد الأوروبي (40% منه تستورده اسبانيا لوحدها)، في وقت يبحث الإتحاد الأوروبي عن إيجاد بدائل تغنيه عن الاعتماد على الغاز الروسي. و نظرًا لرغبة روسيا في ضم أوكرانيا إلى دائرة نفوذها، ينذر موقف اسبانيا هذا بوضع الاتحاد الأوروبي في موقف حرج يتناقض مع رغبة الإتحاد في الدفاع عن نظام عالمي قائم على مجموعة من المبادئ المشتركة، و هو ما من شأنه أن يفتح الباب أمام توجيه له الاتهام بانتهاج سياسة مبنية على الكيل بمكيالين.
و كشعور منه بالإحراج بعد كشف الجانب المغربي لمحتوى الرسالة التي وجهتها حكومة بيدرو سانتشيز إلى محمد السادس، سارع وزير الخارجية الاسباني الجديد، خوسي مانويل ألباريس، بعقد لقاء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستيفان دي ميستورا، مجددًا خلاله دعم اسبانيا “لحل مقبول من الطرفين في إطار الأمم المتحدة”. و نفت اسبانيا أن يكون قرارها هذا قد شكل تغييرا جوهريًا في سياستها المتعلقة بهذا الملف، رغم أنها وصفته بــــ “نقطة التحول التاريخية” في مسيرة علاقاتها الثنائية مع المغرب. و هو ما يمكن وصفه على أنه محاولة منه لممارسة فن تغطية حالة الارتباك و عدم اليقين بمزيد من اللبس و الغموض…