غزة ـ الصواريخ الفلسطينية استهدفت المدنيين الإسرائيليين بشكل غير قانوني

السكان يصفون حالات وفاة ودمار للممتلكات جراء الهجمات

(القدس) ـ إن الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة خرقت قوانين الحرب أثناء اشتباكات نوفمبر/تشرين الثاني 2012 حين أطلقت مئات الصواريخ في اتجاه مراكز سكانية في إسرائيل.

أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه قد تم إطلاق حوالي 1500 صاروخ على إسرائيل فيما بين 14 و21 نوفمبر/تشرين الثاني، سقط على إسرائيل 800 منها على الأقل، بما فيها 60 أصابت تجمعات سكانية.

تسببت الهجمات الصاروخية، بما فيها أول هجوم من غزة يصيب منطقتي تل أبيب والقدس، في قتل 3 مدنيين إسرائيليين وإصابة 38 على الأقل، وإصابة عدد منهم بجراح خطيرة، وتدمير ممتلكات مدنية. أما الصواريخ التي لم تبلغ أهدافها في إسرائيل فيبدو أنها قتلت اثنين من الفلسطينيين على الأقل في غزة، وجرحت آخرين، كما قالت هيومن رايتس ووتش.

قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “أوضحت الجماعات الفلسطينية المسلحة في تصريحاتها أن إيذاء المدنيين هو هدفها. ولا يوجد ببساطة أي تبرير قانوني لإطلاق الصواريخ على المناطق المأهولة بالسكان”.

بموجب القانون الدولىالإنساني، أو قوانين الحرب، لا يجوز تعريض المدنيين والمنشآت المدنية للهجمات المتعمدة أو تلك التي لا تميز بين الأهداف المدنية والعسكرية. وكل من يرتكب انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب عن عمد أو لا مبالاة يعتبر مسؤولا عن جرائم حرب.

في أثناء اشتباكات نوفمبر/تشرين الثاني وما بعدها، قامت هيومن رايتس ووتش بإجراء المقابلات مع الشهود والضحايا وأقارب القتلى والمصابين جراء الهجمات الصاروخية في إسرائيل، علاوة على مسؤولين إسرائيليين من منطقتين أصابتهما الصواريخ، ومتحدث باسم هيئة الطوارئ الطبية الإسرائيلية.

وتوصلت أبحاث هيومن رايتس ووتش في غزة إلى أن الجماعات المسلحة أطلقت الصواريخ مراراً من مناطق كثيفة السكان، بالقرب من المنازل والشركات وأحد الفنادق، وبذلك عرضت المدنيين في المنطقة لخطر شديد من النيران الإسرائيلية المضادة دون داع.

في بعض الأحيان كانت الجماعات الفلسطينية المسلحة التي تأكد قيامها بإطلاق الصورايخ على إسرائيل ـ كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس، وكتائب سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، وكتائب الناصر صلاح الدين التابعة للجنة المقاومة الشعبية ـ كانت تقول إن هجماتها تستهدف المدنيين، أو كانت تحاول تبرير الهجمات بوصفها بالانتقامية من هجمات الإسرائيليين على المدنيين في غزة.

ففي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، على سبيل المثال، أعلنتكتائب القسام أنها أطلقت أحد صواريخ “فجر 5” على إسرائيل “في إطار الرد على الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني”. كما صرحت كتائب صلاح الدين في 10 نوفمبر/تشرين الثاني بأنها أطلقت أربعة صواريخ على مناطق إسرائيلية قريبة من غزة كـ”فاتورة انتقامية” من القصف الإسرائيلي الذي قتل أربعة مدنيين فلسطينيين.

قالت هيومن رايتس ووتش إن قوانين الحرب تحظر الهجمات الانتقامية من المدنيين، بصرف النظر عن هجمات الطرف الآخر غير المشروعة. وتصريحات الجماعات المسلحة بأنها استهدفت مدينة إسرائيلية أو مدنيين إسرائيليين بشكل متعمد هي برهان على نية ارتكاب جرائم حرب.

وحماس، بوصفها السلطة الحاكمة في غزة، ملزمة بالتمسك بقوانين الحرب وعليها توقيع العقاب المناسب على المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، كما قالت هيومن رايتس ووتش.

في أثناء اشتباكات نوفمبر/تشرين الثاني أطلقت الجماعات الفلسطينية المسلحة صواريخاً توغلت في العمق الإسرائيلي لأبعد من أي وقت سبق، حيث قيل إن ثمانية صواريخ أصابت أو تم اعتراضها فوق منطقة تل أبيب، وثلاثة بالقرب من القدس. صرحت كتائب القسام التابعة لحماس في 22 نوفمبر/تشرين الثاني بأن الجماعات المسلحة أطلقت أثناء الاشتباكات 12 صاروخاً طويل المدى، أحدها في اتجاه مدينة هرتسليا بمنطقة تل أبيب، وثلاثة في اتجاه القدس.

قالت وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية إن حوالي نصف الصواريخ المطلقة على إسرائيل كان قصير المدى، يبلغ حتى 20 كيلومتراً، وأقل من نصفها بقليل كان متوسط المدى، يبلغ 20-60 كيلومتراً، وأقل من واحد بالمئة منها كان طويل المدى، يبلغ أكثر من 60 كيلومتراً.

وقال الجيش الإسرائيلي إن نظامه الدفاعي المضاد للصواريخ، المسمى “القبة الحديدية”، اعترض أكثر من 400 صاروخ أثناء اشتباكات نوفمبر/تشرين الثاني. أما الصواريخ التي أصابت إسرائيل فقد سقطت أغلبيتها العظمى فى مناطق مكشوفة فلم تحدث إصابات أو أضرار.

بالإضافة إلى صواريخ القسام محلية الصنع وصواريخ غراد سوفييتية التصميم التي اعتادت الجماعات الفلسطينية المسلحة استخدامها، أعلنت كتائب القسام عن إطلاق صاروخ أكبر محلي الصنع يسمى “إم 75″، علاوة على صواريخ “فجر 5” إيرانية الصنع. قال مسؤولون من حماس والجهاد الإسلامي إن إيران زودت الجماعات الفلسطينية المسلحة بدعم عسكري.

استشهدت صحيفة “الغارديان” بتصريح مسؤول عسكري إيراني لوسائل الإعلام الإيرانية، يفيد بأن إيران لم تقدم الصواريخ، بل قدمت للجماعات الفلسطينية المسلحة معلومات فنية مكنتها من صنع صواريخ “فجر 5” بمعرفتها. يتمتع صاروخ “فجر 5” بمدى يبلغ 75 كيلومتراً فيما يقال، أي أنه يستطيع بلوغ منطقة تل أبيب الكبرى من غزة، وبرأسه 90 كيلوغرام من المتفجرات.

ويعتبر تزويد أحد أطراف نزاع بالسلاح مع العلم باحتمال استخدامه في ارتكاب جرائم حرب، يعتبر مساعدة وتحريضاً على جرائم  الحرب، كما تبرهن إدانة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تيلور في أبريل/نيسان أمام المحكمة الخاصة في سيراليون.

الضحايا المدنيون
نجمت وفيات المدنيين الإسرائيليين الثلاثة عن صاروخ واحد أصاب بناية سكنية في كريات ملاخي بالقرب من أشدود يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني حوالي الساعة الثامنة صباحاً، فقتل أهارون سماديا، 48 سنة، وميرا شارف، 25 سنة، ويتسحاك أمسالم، 24 سنة. جرح رجلان ورضيع في سن ثمانية أشهر.

تبنت كتائب القسام التابعة لحماس في تصريحلها مسؤولية إطلاق خمسة صواريخ غراد على كريات ملاخي في ذلك اليوم في السابعة و50 دقيقة صباحاً.

قالت هيئة الطوارئ الطبية الإسرائيلية، “ماغن دافيد أدوم”، إن المسعفين قاموا في أثناء اشتباكات نوفمبر/تشرين الثاني بمعالجة 38 مدنياً جرحتهم الصواريخ، وأصيب ثلاثة منهم بإصابات خطيرة وأربعة بإصابات متوسطة. تضمّن الجرحى رجلاً عمره 50 سنة في عسقلان تعرضت قدمه للبتر جراء الهجمة الصاروخية، ورجلاً في أوفاكيم أصيب بجراح بالغة حين أصاب الصاروخ السيارة التي كان يستقلها، ورجلاً عمره 43 سنة في منطقة زعليم تعرض لجراح خطيرة في الجزء الأعلى من جسمه جراء شظايا الصواريخ.

قام كفير روزن، وهو موظف بالحكومة عمره 26 سنة، بوصف هجمة صاروخية وقعت يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني فأصابته في الكتف والساق:

تطايرت الأشياء في المنزل من حولي، وانخلعت الأبواب من أماكنها، وارتجت البناية كلها. طارت شظية من الصاروخ بجواري واحتكت بعنقي. بعد الانفجار لم نستطع رؤية شيء؛ كان المكان مليئاً بالدخان والتراب. أصابت كتلة [خرسانية] من الطابق العلوي كتفي، وأصابتني أخرى في مؤخرة فخذي.

كما دمرت الصواريخ ممتلكات مدنية، منها منازل ومدارس. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني تسبب صاروخ في الإطاحة بسقف مدرسة في عسقلان.

لم تبلغ بعض الصواريخ التي أطلقتها الجماعات الفلسطينية المسلحة أهدافها وسقطت داخل غزة. في 16 نوفمبر/تشرين الثاني سقط صاروخ يبدو أنه أطلق من داخل غزة على شارع مزدحم ببلدة جباليا في غزة فقتل رجلاً عمره 23 سنة وصبياً في الرابعة وجرح خمسة أشخاص.

إطلاق الصواريخ من أحياء سكنية
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أربعة شهود على إطلاق الصواريخ من مناطق كثيفة السكان داخل غزة، وسمعت تقاريراً منقولة عن أعداد أكبر. على عكس ما كان في الاشتباكات السابقة، يبدو أن الجماعات المسلحة أطلقت الكثير من الصواريخ من أنفاق تحت الأرض، بعد فتح كوة لإطلاق الصاروخ.

أُطلق أحد الصواريخ في 20 نوفمبر/تشرين الثاني في نحو الواحدة والنصف مساءً قبالة شارع الوحدة بمدينة غزة، على مسافة 100 متر من بناية الشوا والحصري، حيث توجد مكاتب لعدد من وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية. قال أحد الشهود، “رأيته [الصاروخ] يصعد وسمعته، ثم وصل الدخان إلى المكتب”.

قال رجل إنه رأى صاروخاً ينطلق من ساحة منزل قريب من فندق الديرة بقلب مدينة غزة، رغم أنه عجز عن تذكر اليوم.

قال الصحفيون الأجانب والفلسطينيون الذين كانوا يتنقلون في أنحاء غزة أثناء القتال لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يروا أي مقاتل فلسطيني يتحرك بشكل مكشوف، مما يوحي بتطوير حماس لشبكة أنفاق مخصصة للأفراد وربما الصواريخ.

بموجب قوانين الحرب يشترط على أطراف النزاع المسلح أن يتخذوا كل الاحتياطات المستطاعة لحماية المدنيين الخاضعين لسلطتهم من آثار الهجمات، والامتناع عن وضع الأهداف العسكرية في المناطق كثيفة السكان أو بالقرب منها. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد حالة بعينها في نوفمبر/تشرين الثاني قامت فيها جماعة فلسطينية مسلحة بتحذير المدنيين حتى يخلوا مناطقهم قبل إطلاق الصواريخ.

قالت هيومن رايتس ووتش إن الصواريخ التي تطلقها الجماعات الفلسطينية لا يمكن توجيهها بدقة كافية بحيث تصيب أهدافاً عسكرية في المناطق المدنية أو بالقرب منها. وعلى هذا، وبموجب قوانين الحرب فإن تلك الأسلحة تعتبر عشوائية عديمة التمييز عند استخدامها على أهداف في المراكز السكانية. ويبين غياب القوات العسكرية الإسرائيلية في مناطق سقوط الصواريخ، علاوة على تصريحات قادة الجماعات الفلسطينية المسلحة التي تفيد باستهداف المراكز السكانية، تبين أن الجماعات المسلحة تعمدت مهاجمة المدنيين والأهداف المدنية الإسرائيلية.

أدانت هيومن رايتس ووتش مراراً هجمات الصواريخ العشوائية عديمة التمييز على المراكز السكانية الإسرائيلية، وكذلك إخفاق حماس في محاسبة أي مسؤول عن تلك الهجمات. وأعادت هيومن رايتس ووتش ترديد تلك الإدانات.

انطوت الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس والجماعات المسلحة في غزة في 14-21 نوفمبر/تشرين الثاني على هجمات غير مشروعة على المدنيين من الجانبين. مات في الاشتباكات 4 مدنيين إسرائيليين و103 مدنيين فلسطينيين على الأقل. قتل المدني الإسرائيلي الرابع، وهو بدوي إسرائيلي يدعى عليان سالم النباري، 33 سنة، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني في هجوم بمدافع الهاون بمنطقة مجلس أشكول الإقليمي يقال إنه جرح عدة جنود. وحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، كان عليان يرافق ابن عمه الذي يعمل لحساب شركة تقيم الخيام للجيش.

قالت سارة ليا ويتسن: “الترسانة العسكرية المحدودة، التي تعتمد إلى حد بعيد على الصواريخ العشوائية عديمة التمييز، لا تبرر الإخفاق في احترام قوانين الحرب، التي تنطبق على كافة الأطراف في أي نزاع بصرف النظر عن قدراتهم العسكرية. وبوصف حماس السلطة الحاكمة في غزة فإنها ملزمة بوقف الهجمات غير المشروعة ومعاقبة المسؤولين عنها”.

حالات الهجمات الصاروخية
كريات ملاخي
في نحو الثامنة من صباح 15 نوفمبر/تشرين الثاني أصاب صاروخ من طراز “غراد” الطابقين العلويين من بناية سكنية بارتفاع 4 طوابق في كريات ملاخي، البلدة التي يسكنها 20 ألف نسمة على مسافة 25 كيلومتراً شماليّ غزة. قتل الصاروخ أهارون سماديا، 48 سنة، وميرا شارف، 25 سنة، ويتسحاك أمسالم، 24 سنة. جرح الانفجار شامويل زوج ميرا شارف ورضيعهما البالغ من العمر 8 أشهر. كما جرح الصاروخ بوريس خورونا، 52 سنة، وهو عامل توصيل كان يقف أمام البناية.

كان الحاخام أهارون سماديا يسكن الطابق الثالث من البناية مع زوجته وأبنائهما الأربعة، كما قالت ابنة خاله راحيل غيتا لـ هيومن رايتس ووتش. قالت غيتا، التي تحدثت مع سكان البناية، إن صافرة إنذار انطلقت ـ في نظام “اللون الأحمر” الإسرائيلي المخصص لتحذير السكان من الصواريخ المقبلة ـ فنزل سماديا وزوجته وأبناؤه الدرج متجهين إلى منطقة محمية مخصصة داخل البناية. ثم سمع سماديا والدة أمسالم تنادي ابنها حتى يأتي إلى المنطقة المحمية، فصعد لاستدعاء الشاب. ويقال إن الرجل قتل وهو يقف بجوار نافذة في شقة أمسالم.

“أصاب الصاروخ الطابق الرابع واخترقه حتى الثالث” فدمر شقة سماديا، كما قالت غيتا لـ هيومن رايتس ووتش. “سمحت الشرطة لـ[زوجة سماديا] بالعودة إلى الشقة مرة واحدة لإحضار بعض الثياب. قال أطفالها،‘لقد عادت بالثياب ولكن ليس بأبينا‘”.

قالت غيتا إن جثة سماديا تعرضت لتشوهات بالغة بسبب الانفجار. “كانت الجنازة بشعة. لم يتم إغلاق طبقة النايلون التي يفترض أن تغطي الجثة كما يجب. كما انطلقت صافرتا إنذار أثناء  الجنازة. اضطررنا للإسراع إلى [منطقة محمية في] الكنيس”.

كان خورونا، وهو عامل توصيل أثاث من طبرية، يقف أمام البناية السكنية عند سقوط الصاروخ. قالت روكسانا، زوجة ابن خورونا، لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان “ينتظر بجوار شاحنة [التوصيل]” حينما فصلت شظايا الصاروخ يده بالكامل تقريباً. وقالت إن الأطباء “أنقذوا يده لكنها لا تؤدي وظائفها”. “أصابت إحدى شظايا الصاروخ العصب. لا يمكنه أن يعمل. كما يحتاج إلى معاونة زوجته حتى يغتسل ويأكل”. أصاب الصاروخ الشاحنة بتلفيات جسيمة أيضاً.

قال يوسي بيريتز المتحدث باسم كريات ملاخي لـ هيومن رايتس ووتش إن الصاروخ كان هو الوحيد الذي أصاب البلدة.

ريشون لتزيون
في نحو السادسة من مساء 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أصاب صاروخ عرّفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه صاروخ “فجر 5” إيراني الصنع، أصاب الطابقين العلويين من بناية سكنية بارتفاع 7 طوابق في ريشون لتزيون، المدينة التي يسكنها 220 ألف نسمة على بعد 60 كيلومتراً شمال شرق غزة.

كان كوب موردخاي، عامل محطة الوقود البالغ من العمر 31 سنة، يعيش مع زوجته وأطفالهما الثلاثة في شقة بالطابق السادس. كانت  الأسرة وأحد الأصدقاء في الشقة عند انطلاق صافرة الإنذار، كما قال:

هرعنا إلى المخبأ [في الردهة خارج الشقة]، نحن الستة جميعاً. ثم سمعنا انفجاراً هائلاً. خرجت من المخبأ لكنني لم أستطع رؤية شيء. كانت الكهرباء قد انقطعت، وكل شيء مليئاً بالدخان وما يشبه النيران، فعاودنا الدخول. لم أدرك أنها كانت شقتي إلا حينما جاء شخص ليأخذنا وغادرنا البناية. كان الصاروخ في بيتي ـ أصاب بيتي مباشرة. تحول المكان كله إلى حطام؛ لم يبق منه شيء تقريباً. تمكننا من إخراج بضعة أشياء قليلة فقط. شاهد الأطفال منزلنا في التلفاز؛ شاهدوا ملاذهم ولِعبهم. فسألوا جدتهم، “جدتي، هل ستكونين بدورك قريباً بلا مسكن ؟”

كان كفير روزن، موظف بلدية ريشون لتزيون البالغ من العمر 26 سنة، يعيش مع والديه وأخيه في الطابق الثاني من البناية. لم يكن والداه في المنزل في توقيت الهجوم. قال روزن لـ هيومن رايتس ووتش إنه سمع صافرة إنذار مبكر “باللون الأحمر” فأنذر أخاه بضرورة الذهاب إلى  المخبأ، لكن أخاه قال إنه يريد رؤية الصاروخ حينما يعترضه نظام “القبة الحديدية” المضاد للقذائف الصاروخية. وقال لـ هيومن رايتس ووتش: “سألت نفسي، ‘ما احتمال سقوط الصاروخ فوقي من بين كافة الاحتمالات؟‘ فبقينا على  الشرفة. توقفت الصافرة، وبعد نحو 20 ثانية سمعنا دوياً هائلاً”. وقال إن قطعاً من البناية أصابته في الكتف والحوض.

قال روزن إن الصاروخ “أحدث ثقباً كبيراً في شرفة الطابق الثالث الذي يعلو طابقي، ثم سقط على حديقة الجيران. حتى شقق البنايات المجاورة تعرضت لتلفيات جراء الانفجار”. وقال إن الشرطة “أمهلتنا دقائقاً فقط لإحضار أشياء قليلة” من البناية، لأنهم “قالوا إن الطوابق العليا قد تنهار والمبنى لم يعد آمناً”. يقيم روزن وعائلته في فندق ريثما يتم إصلاح البناية.

يبدو أن الجماعة المسلحة التي أطلقت الصاروخ قد حشته بالشظايا المضادة للأفراد. قال روزن، “تطاير عدد كبير من الكرات الصغيرة التي كانت بداخل الصاروخ في كافة الأنحاء” عند سقوطه. والثقوب الصغيرة التي قال إنها نجمت عن الشظايا تركت آثاراً على جدار البناية وبناية أخرى على الجهة المقابلة من الشارع.

أشدود
في نحو الثامنة من صباح 17 نوفمبر/تشرين الثاني، أصاب أحد الصواريخ منزلاً خاصاً في أشدود أثناء وجود خمسة أشخاص بداخله، فعرض المنزل لتلفيات جسيمة وجرح الأم.  قالت الابنة، 22 سنة، التي لم تكن في المنزل في ذلك الوقت، إن أباها وأمها وأختها التي تبلغ من العمر 14 سنة وزوج أختها وابنة أختها التي تبلغ من العمر سنتين كانوا في المنزل عند سقوط الصاروخ. قالت السيدة إنه شاهدت  المنزل بعد الانفجار بساعات قليلة:

لا يوجد مخبأ بمنزلنا، لذا اختبأوا جميعاً بغرفتي التي بالطابق الأرضي وبها عدد أقل من الجدران المطلة على الخارج. لدينا طابقان، والطابق العلوي هو ما أنقذ أسرتي. تمكنت عارضة حديدية من صد الصاروخ فانفجر بالطابق العلوي. تطاير حجر وأصاب أمي في الرأس. عند وصولى إلى المنزل كان المشهد فظيعاً. لم أكن أعرف أن هذا ما تفعله الصواريخ بالمنازل، فالأخبار لا تبين ما يحدث فعلاً. لم يعد لغرفة أختى الصغرى سقف. بدأت ابنة أختي في تبليل فراشها. صارت بعد هذا، عند انطلاق صافرات الإنذار، تدخل المخبأ وهي ترتعد وتبكي.

انهالت الصواريخ على أشدود مراراً في أثناء الاشتباكات، بما فيها صواريخ أصابت منطقة سكنية يومي 16 و20 نوفمبر/تشرين الثاني.

سديروت
وصف سكان سديروت، المنطقة السكنية القريبة من نطاق غزة والتي أصيبت بصواريخ من غزة للمرة الأولى في 2002، وصفوا إصابات وشيكة من صواريخ انفجرت أثناء الاشتباك الذي استمر ثمانية أيام.

قالت شيرلي سايدلر، 25 سنة، وهي صحفية بجريدة “يديعوت الجنوب” وتسكن سديروت، قالت لـ هيومن رايتس ووتش: “لم نتمكن من مغادرة بيوتنا لمدة أسبوع. كنا في المخابئ باستمرار”. وقالت إن السكان أمامهم بين 10 و15 ثانية من انطلاق صافرة الصواريخ للتوجه إلى مكان محمي.

أصاب أحد الصواريخ المنزل المواجه لمنزلها بنفس الشارع في سديروت:

هرعنا إلى المخبأ عند سماع الصافرة، ثم سمعنا انفجارين قويين جعلا المنزل يرتج. أصاب الصاروخ المنزل المواجه لمنزلنا. كانت هناك بالونات من الغاز حيث سقطت الصواريخ، وظننا أننا سنضطر لإخلاء المكان. كنا نجري بأقدام حافية وبملابس النوم، وكانت هناك لحظات قليلة من الذعر الحقيقي، في وجود عربات إسعاف ووحدات من مهندسي الشرطة، وحفارات تستخرج الصاروخ.

نقل كثير من ساكني سديروت إقامتهم إلى أماكن أخرى خوفاً من الهجمات الصاروخية. قالت سايدلر: “أعرف الكثيرين من ذوي الأطفال الذين رحلوا إلى غير رجعة” أثناء الاشتباك.

قال روتم أوخانا،25 سنة وموظف بكلية سابير، إن صاروخاً أصاب ملعب كرة السلة على الجهة المقابلة من منزله. كما شهد عدداً من عمليات اعتراض الصواريخ من قبل نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي المضاد للصواريخ يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني، بينما كان يقود سيارته بالقرب من تقاطع آد هالوم على مشارف أشدود. وقال:

انطلقت الصافرات فأوقفت السيارة، وكانت هناك حافلة وسيارتان أخريان متوقفة على جانب الطريق معي. انطلقت أربع صافرات متتابعة، وشاهدنا عمليات الاعتراض فوق رؤوسنا. رأيت طفلين يجريان من مكان إلى مكان وأماً في حالة هيستيرية تحاول الإمساك بهما. فور انتهاء الصافرات عدت إلى السيارة للذهاب إلى مخباً، فسقطت شظية من عملية  الاعتراض وكسرت زجاجي الأمامي من جهة السائق. بعد هذا لم أغادر المنزل ثانية حتى هدأ كل شيء. وجعلني الأمر أدرك فظاعة الموقف بالنسبة للجانب الآخر [سكان غزة] حيث لا يتمتعون بصافرات أو مخابئ.

عسقلان

رداً على أسئلة من هيومن رايتس ووتش، قال المتحدث باسم بلدية عسقلان إن 36 صاروخاً سقطت على المدينة أثناء اشتباكات نوفمبر/تشرين الثاني، وأن نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي اعترض 60 صاروخاً آخر كان من شأنها أن تصيب المدينة لولاه.

أصابت الصواريخ مدرستي “ماكيف بيت” و”رونسون” بأضرار بالغة، في منطقة وسط كريات هاخينوخ. كما أدت شظايا الصاروخ إلى بتر قدم رجل بالقرب من “منزل زبورا”، وهي بناية تواجه مدرسة رامبام  الدينية. اخترقت الشظايا أيضاً ودمرت السيارة التي كان يقودها، كما قال المتحدث.