وقعت تونس رسمياً مع الاتحاد الأوروبي في 3 آذار/مارس “شراكة من أجل حرية التنقل”.
وكانت المنظمات الموقعة أدناه قد أعربت منذ أكثر من عامين مراراً وتكراراً عن تحفظاتها الجدية ومخاوفها من التبعات التي ينطوي عليها هذا المشروع. ولا يسعها الآن إلا أن تجدد تلك المخاوف وأن تعرب عن ادانتها لأن عملية التفاوض بشأن الشراكة لم تتسم بالشفافية المطلوبة ولم تشارك فيها منظمات المجتمع المدني رغم حضورها الكبير في فيما يتعلق بالمعضلات والأفاق التي يطرحها هذا الاتفاق. ومازالت منظماتنا قلقة بشكل خاص من توقيع وتنفيذ هذا الاتفاق في سياق المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد والتي ولئن كانت تطمح لأن تكون ديمقراطية فإنها ما زالت بعيدة كل البعد عن امتلاك مؤسسات ونصوص تشريعية كفيلة بضمان الاحترام المسبق والمطلق لحقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
ووفقاً لشروط الإعلان المشترك الذي وقعه كل من “سيسيليا مالمستروم” والطاهر شريف، لا تولي هذه “الشراكة” أولوية لهذا المجال في واقع الأمر. فتلك الشراكة تهدف بكل وضوح إلى “تعزيز إدارة مشتركة ومسؤولة لتدفقات الهجرة الحالية” وإلى تنمية “العلاقات الثنائية في مجالات الهجرة والتنقل والأمن” وإلى “التعاون معاً من أجل مواجهة أفضل للتحديات الحالية في منطقة المتوسط”.
وأعرب الاتحاد الأوروبي بالطبع عن عزمه “دعم السلطات التونسية في جهودها الرامية إلى إنشاء نظام لحماية اللاجئين وطالبي اللجوء”، ولكنه تعهد في الوقت نفسه “بإجراء مفاوضات بشأن اتفاق لإعادة المهاجرين” في عكس للأولويات مرة أخرى وفي تضارب مع المعايير الدولية الضامنة لحرية التنقل للأشخاص.
وتُذكِّر منظماتنا أن تونس أقرت في المادة 26 من الدستور الجديد أن “الحق في اللجوء السياسي مكفول بموجب أحكام القانون، ويُحظر تسليم الأشخاص الذين يستفيدون من اللجوء السياسي”، إلا أنها لم تعتمد بعد التشريع المنتظر الذي سيمكنها من الوفاء بالتزاماتها الدولية وفقاً لاتفاقية جنيف واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية.
وأخيراً، إذا كانت المادة 23 من الدستور تنص على أن ” لكل مواطن الحق في اختيار مكان إقامته والتنقل بحرية داخل البلاد ومغادرتها” إلا أن أحكام القوانين الخاصة “بجريمة الهجرة غير الشرعية” لم تلغَ بعد، على الرغم من توصيات مجلس أوروبا بشأن “حق كل فرد في مغادرة بلاده” (انظر البيان المشترك المؤرخ في 3 كانون الأول/ديسمبر 2013).
وسيفضي التوقيع على اتفاق لإعادة المهاجرين في هذا السياق إلى ترحيل المهاجرين من أصل تونسي أو أولئك الذين يعبرون من خلال تونس إلى بلاد ليس مضموناً أن تكفل حقوقهم بشكل دائم.
لذا تدعو منظماتنا صراحة كلا الشريكين إلى تأجيل التفاوض حول هذا الاتفاق، وتطلب من الدول العشر الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المنضمة لهذه الشراكة (وهي بلجيكا والدنمارك وألمانيا وإسبانيا وفرنسا إيطاليا وبولندا والبرتغال والسويد والمملكة المتحدة) عدم المشاركة في هذه المساعي وعدم إعادة المهاجرين المحتجزين لأسباب تتعلق بالهجرة غير الشرعية الموجودين على أراضيها إلى تونس، لا سيما طالبو اللجوء، لما تشكله هذه الخطوة من مخاطر انتهاك القانون الدولي.
وتندد منظماتنا بالشراكة من أجل حرية التنقل التي تركز بشكل دائم على سياسة أمنية ترمي إلى منع المهاجرين واللاجئين من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، أي الاستعانة بمصادر خارجية للتنصل من مسؤولياتها ولإدارة الحدود وإحكام الرقابة عليها بشكل متكامل، والتوقيع على اتفاق لإعادة المهاجرين وطالبي اللجوء والتعاون مع العديد من هيئات الاتحاد الأوروبي (ومن بينها دون شك “فرونتكس”). وبعيداً عن السهر على تلبية احتياجات السكان الأكثر ضعفاً للحماية، فإن هذه التدابير تحمل هي ذاتها خطر انتهاك حقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص مبدأ عدم الإعادة القسرية والحق في طلب اللجوء وحق كل شخص في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن هذه الشراكة التي تهدف إلى “تعزيز حرية التنقل” لا تتضمن آفاق محدودة وفعلية لحرية تنقل التونسيين وإمكانية وصولهم إلى الأراضي الأوروبية. ولا يقترح الاتحاد الأوروبي سوى التزاماً انتقائيا وتمييزيا بتعزيز القنوات القانونية لدخول الأراضي الأوروبية، وبصفة أساسية من خلال تيسير إجراءات إصدار تأشيرات الإقامة لفترة قصيرة ومحدودة لفئات الأشخاص الأكثر تميزاً و/أو ذوي الأهلية. ولم يثر أحد مسألة لم شمل الأسر أو الزيارات العائلية وهي قضية شائكة تزعج البلاد على ضفتي المتوسط.
بيد أننا على علم والاتحاد الأوروبي وتونس أيضاً يعرفان أن عدم وجود فرص للوصول بشكل مشروع إلى الأراضي الأوروبية هو الذي يؤدي بآلاف الأشخاص – التونسيين وغيرهم – للمخاطرة بحياتهم كل عام وعبور البحر الأبيض المتوسط. وإن رفض الاتحاد الأوروبي فتح قنوات شرعية حقيقية وفعلية للهجرة هو مسألة لن تؤتي ثمارها فحسب، بل ترقى إلى مستوى الفعل الإجرامي!
وتنوي منظماتنا مواصلة الحشد اليومي من أجل الاحترام الكامل لحقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في تونس كما في الاتحاد الأوروبي، ولكي يكون أي اتفاق للشراكة بين ضفتي المتوسط مستنداً إلى أهداف واضحة تحرز تقدماً نحو احترام كافة الحقوق.
كما نحث الاتحاد الأوروبي على احترام سياسته ” إعطاء أكثر من أجل الحصول على المزيد” من خلال تشجيع تونس بشكل فعلي على إرساء مؤسساتها الديمقراطية، سن القوانين الضرورية لتطبيق الدستور الجديد وخاصة المتعلقة منها بحقوق الانسان الأساسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبالأساس النصوص المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق المهاجرين واللاجئين.
وتناشد منظماتنا كلاً من الاتحاد الأوروبي وتونس القيام بما يلي تنفيذاً لشراكة حقيقية “من أجل حرية التنقل”:
– مواءمة التعاون في مجال الهجرة بحيث يلتزم بالاحترام الكامل لحقوق المهاجرين واللاجئين ومع سن التشريعات ووضعها حيز التنفيذ وذلك في تناسق مع المعاهدات الدولية؛
– الامتناع عن تنفيذ التدابير التي لا تنطوي على احترام كامل لحقوق تلك الفئات لا سيما اتفاق إعادة المهاجرين وطالبي اللجوء؛
– ضمان مشاركة منظمات المجتمع المدني التونسي (في تونس والاتحاد الأوروبي) – لا سيما تلك التي تعمل في مجال الدفاع عن المهاجرين وتقديم المساعدة لهم- والأوروبي في المفاوضات وفي تنفيذ ومتابعة الشراكة من أجل حرية التنقل في إطار اللجنة المشتركة وفي مقاربة شاملة ومتناسقة، ديمقراطية وتشاركية في مجال الهجرة؛
– التعاون الفعال من الاتحاد الأوروبي في كشف الضوء عن مأساة المهاجرين المفقودين في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2010 وتوفير الدعم للأسر المتضررة
– التزام الشركاء الأوروبيين لهذا البروتوكول لإغلاق مراكز الإيقاف الخاصة بالعمال في وضعية غير قانونية على أراضيها والامتثال التام مع المبادئ العالمية لحقوق الإنسان؛
– اعتماد سياسة للهجرة في الاتحاد الأوروبي على أساس تعزيز العمل اللائق
– منح الأولوية لتطبيق الأحكام التي تعزز احترام حقوق الإنسان في البيان المشترك للشراكة من أجل حرية
– التنقل، ولا سيما الأحكام المتعلقة بما يلي:
– إصلاح السياسات والإطار القانوني والمؤسساتي للهجرة في تونس بما في ذلك المسائل المتعلقة باللجوء،
– التطبيق الصارم لمبدأ عدم الإعادة القسرية على جانبي الحدود،
– دمج المواطنين التونسيين في الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتوطيد صلاحيات الحقوق الاجتماعية، بما فيها الضمان الاجتماعي،
– مكافحة الاتجار بالبشر وكل أشكال التمييز والتفقير والاقصاء
علاوة على ذلك، تدعو منظماتنا مجدداً
– تونس إلى التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم واتفاقيتي منظمة العمل الدولية 97 و143 بشأن العمال المهاجرين.
– الحكومة التونسية لعرض الاتفاق من أجل التنقل على المجلس الوطني التأسيسي لإرساء حوار هادف حول هذا البروتوكول ومواطن الضعف والفشل في سياسة الهجرة للحكومة التونسية،
– الاتحاد الأوروبي إلى التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وتشجيع الدول الأعضاء على القيام بذلك.
الموقعون
المنضمات التونسية:
الاتحاد العام التونسي للشغل
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
تنسيقية منظمات الهجرة التونسية
الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات
المنضمات الدولية:
الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الانسان
الجمعية الأوروبية لحقوق الانسان
الفدرالية الدولية لحقوق الانسان
منضمة أوروبا-الهجرة