على جامعة الدول العربية أن تحمي المدنيين أو أن تعيد النظر في بعثتها
(نيويورك، 12 يناير/كانون الثاني 2012) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على جامعة الدول العربية أن تقوم على وجه السرعة بإدانة قوات الأمن السورية بسبب إطلاقها النار على المتظاهرين السلميين الذين حاولوا الوصول إلى مراقبي الجامعة في مدينة جسر الشغور شمالي سوريا. على ضوء هذه الانتهاكات وغيرها من الانتهاكات البيّنة للاتفاق المبرم بين الحكومة السورية وجامعة الدول العربية، على الجامعة العربية أن تكشف علناً عن نتائج البعثة وتقييمها لإمكانية استمرار البعثة.
قال متظاهران أصيبا في جسر الشغور وفرا إلى جنوب تركيا لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلات شخصية معهما وجهاً لوجه إن حوالي الساعة 11 صباح 10 يناير/كانون الثاني 2012 تقدما من ساحة حزب البعث (أعيد تسميتها “ساحة الحرية” من قبل المتظاهرين) لمقابلة مراقبي جامعة الدول العربية المتواجدين هناك. طبقاً للشهود، عندما اقتربا من نقطة تفتيش في الطريق إلى الساحة، منعهما أفراد من الجيش من التقدم، وبعد أن رفض المتظاهرون التفرق، تم إطلاق النار على الحشد، فأصيب تسعة متظاهرين على الأقل. كان مراقبي جامعة الدول العربية في ساحة حزب البعث، لكن غادروا في سيارة بعد أن بدأ إطلاق النار، على حد قول الشاهدين. ورغم عدة محاولات، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الاتصال بالمراقبين للتأكد من صحة الواقعة التي رواها الشهود.
وقالت آنا نيستات، نائبة قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: “مثل هذه الحوادث وعدد الوفيات المتزايد باستمرار يُظهران بوضوح أن وجود مراقبي الجامعة العربية لم يفد كثيراً في إلزام السلطات السورية بالكف عن جرائمها. مع سخرية الرئيس الأسد من الجامعة العربية في خطبه، تستهزء قواته ببعثة المراقبين على الأرض”.
قال “أبو أحمد”، أحد المتظاهرين المصابين في الهجوم، لـ هيومن رايتس ووتش:
كنا حوالي 300 إلى 500 شخص، وكنت أسير في الصف الأمامي. كنا نرفع أغصان الزيتون ونهتف “سلمية سلمية”. عندما أصبحنا على مسافة 100 متر من نقطة التفتيش، هتفنا للجيش أننا لا نريد إلا مقابلة المراقبين. لكنهم فتحوا النار علينا، ويبدو أنهم تلقوا أوامر من ضباط المخابرات الذين كانوا يقفون خلفهم.
وضع الجنود ثلاث بناق آلية على الأرض وصوبوها علينا. رأيتهم يطلقون من بنادق الكلاشينكوف ومن بنادق القناصة. صوب أحدهم بندقية القناص نحوي ثم شعرت بشيء يخترق ساقي اليمنى. أصيب عدد من الأشخاص كانوا إلى جواري أيضاً.
كنت أرى المراقبين، وكنا على اتصال بهم على الهواتف الخلوية [لتنسيق الاجتماع بهم]، لكن عندما بدأ إطلاق النار استقلوا سياراتهم وغادروا.
“مصطفى” شاهد آخر أصيب بدوره، وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما بدأ المتظاهرون في الجري مبتعدين، طاردتهم الجيش واستمر في إطلاق النار عليهم. كان وسط مجموعة من الأفراد وأصيب برصاصتين في ظهره وأخرى في ذراعه الأيسر. بحسب أقواله، أصيب خمسة أشخاص عندما فتح الجيش النار على المتظاهرين، وأصيب أربعة آخرين، هو منهم، أثناء محاولة الفرار.
“علي” شاهد آخر من جسر الشغور، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن على مدار الأسابيع الماضية لم ينسحب الجيش من المدينة بحسب اتفاق جامعة الدول العربية، بل كان له تواجد كثيف في المدينة، إذ سيطر على مداخل المدينة ونظم دوريات في الشوارع بالتعاون مع المخابرات والشبيحة. قال إن في 8 يناير/كانون الثاني، من منتصف النهار وحتى منتصف الليل، داهمت قوات الأمن متاجر الهواتف الخلوية في جسر الشغور واعتقلت نحو 30 شخصاً من مُلاك هذه المتاجر. قال علي إنه شهد على هذه المداهمات. بحسب أقواله، كانت عناصر الجيش تغلق الشوارع بينما يدخل عناصر المخابرات إلى المتاجر ويحتجزون أصحابها، ويقومون بضربهم بالهراوات.
في الاتفاق الموقع مع جامعة الدول العربية في 19 ديسمبر/كانون الأول، تعهدت الحكومة السورية بإنهاء العنف ضد المتظاهرين السلميين، وبالإفراج عن المتظاهرين المحتجزين، وسحب العناصر المسلحة من المدن والمناطق السكنية، والسماح للإعلام العربي والدولي بالوصول إلى مختلف أجزاء سوريا بلا إعاقة. كما تعهدت سوريا في الاتفاق بمنح مراقبي جامعة الدول العربية حق الوصول إلى جميع الأفراد الذين يرغب المراقبون في مقابلتهم للتحقق من تنفيذ سوريا لهذه الإجراءات، بمن فيهم الضحايا والمحتجزين والمنظمات غير الحكومية. تعهدت سوريا بضمان سلامة الشهود من الأعمال الانتقامية.
هجمات قوات الأمن على المتظاهرين السلميين تداولتها تقارير الإعلام بشكل يومي منذ بدء بعثة جامعة الدول العربية. طبقاً لتقارير إعلامية، فإن الأمم المتحدة تقدر أن 400 شخص قد قُتلوا منذ وصول البعثة إلى سوريا في 26 ديسمبر/كانون الأول.
سبق ووثقت هيومن رايتس ووتش ما يبدو أنها جهود من الحكومة السورية لخداع مراقبي بعثة جامعة الدول العربية، عن طريق نقل مئات المعتقلين إلى مراكز احتجاز أعدت على عجل في مواقع عسكرية غير متاحة لمراقبي الجامعة. كما أصدرت السلطات بطاقات هوية شرطية لضباط جيش، فيما يبدو أنه محاولة لإعطاء الانطباع بأن قوات الجيش قد انسحبت من مناطق المدنيين بحسب اتفاق الجامعة العربية مع السلطات السورية.
يُذكر أن مصداقية البعثة يشوبها بالفعل تعيين اللواء محمد أحمد الدابي رئيساً للبعثة، وهو رئيس سابق للمخابرات العسكرية السودانية. أشرف الدابي على هيئة استخباراتية معروفة جيداً بارتكاب انتهاكات جسيمة في السودان، وهو حليف مقرب لرئيس السودان عمر البشير، الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بحقه مذكرة توقيف على خلفية الاتهام بجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وقالت آنا نيستات: “حان الوقت لأن تندد الجامعة العربية بإخفاق الحكومة السورية في الالتزام بالاتفاق”. وأضافت: “السماح باستمرار البعثة دون جهود فعالة أو واضحة لحماية المدنيين لن يؤدي إلا للمزيد من الوفيات”.