يعرب “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” عن قلقه العميق إزاء القمع الصارم والاعتقالات المتكررة وأحكام السجن ضد النشطاء والمؤيدين للديمقراطية في سلطة عمان.
فمنذ فبراير 2011، خرج العمانيون في سلسلة من المظاهرات والاحتجاجات مطالبين ببلد أكثر ديمقراطية يحترم حرياتهم وحقوق الإنسان، مستلهمين ذلك من موجة الثورات الشعبية المؤيدة للديمقراطية التي انطلقت في جميع أنحاء العالم العربي. وفي المقابل، استخدمت الحكومة العمانية العديد من الوسائل القمعية لتقويض حقوق المواطنين العمانيين المشروعة في التجمع وفي تكوين الجمعيات. وبلغت الإجراءات القمعية ذروتها بموجة من الاعتقالات لعشرات من الكتاب والمدافعين عن حقوق الإنسان والقضاة والمتظاهرين السلميين والنشطاء المؤيدين للديمقراطية، بدأت في نهاية شهر مايو 2012 ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
في 12 ديسمبر 2012، أيدت محكمة الاستئناف حكمًا بالسجن لمدة عام كان قد صدر عن المحكمة الابتدائية في مسقط ضد أحد عشر ناشطًا بتهم الإعابة في الذات السلطانية وانتهاك قانون جرائم المعلومات. علاوةً على ذلك، صدر الحكم على القاضي حمود بن سعود بن حمدان الرشيدي بالسجن لستة أشهر مع إيقاف التنفيذ بتهمة الإعابة في الذات السلطانية أيضًا.
كما أيدت محكمة الاستئناف في اليوم نفسه أحكامًا بالسجن لمدة ستة أشهر كانت صادرة عن المحكمة الابتدائية بتهم التجمع غير القانوني ضد أحد عشر ناشطًا آخرين من بينهم المدافع الحقوقي مختار محمد سيف الهنائي وعدد من المدافعات عن حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنظر محكمة الاستئناف اليوم 19 ديسمبر قضيةً أخرى ضد الحقوقي مختار الهنائي، والذي كان قد صدر ضده حكم المحكمة الابتدائية بالسجن لمدة عام آخر بتهمة الإعابة في الذات السلطانية.
في 5 ديسمبر 2012، أيدت محكمة الاستئناف في عمان أحكامًا بالسجن (تتراوح بين 12 إلى 18 شهرًا) ضد خمسة نشطاء آخرين، جراء تهم بنشر معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتُبرت أنها مهينة للسلطان. كانت محكمة مسقط الابتدائية قد أصدرت أحكام بالسجن في أغسطس الماضي بحق عدد من النشطاء الحقوقيين بتهم ذات دوافع سياسية منها الإعابة في الذات السلطانية وانتهاك قانون جرائم المعلومات من خلال نشر تصريحات مسيئة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تم الإفراج عنهم إلى حين صدور قرار محكمة الاستئناف، والذي صدر الأربعاء الماضي 12 ديسمبر بتأييد أحكام السجن ضدهم. هذا بالإضافة إلى حكم محكمة الاستئناف بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وغرامة 1500 ريال بحق الناشطة ميمونة البادي عن التهم ذاتها.
لقد بدأت السلسلة الأخيرة من المحاكمات ضد النشطاء في عمان في شهر مايو 2012 باعتقال ثلاث مدافعين حقوقيين –منتميين إلى الفريق العماني لحقوق الإنسان– أثناء زيارة ميدانية لاعتصام عمالي. وتصاعد الموقف بصورة أكبر في 13يونيو الماضي، بعد أن أدلى الإدعاء العام بسلطة عمان بتصريح هدد فيه بإصدار أحكام بالسجن واتخاذ إجراءات قانونية ضد النشطاء الذين يمارسون حقهم في حرية الرأي والتعبير. وأعقب ذلك مباشرةً اعتقال ومحاكمة عشرات النشطاء من بينهم كُتاب ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومتظاهرين، وذلك بتهم الإعابة في الذات السلطانية على مواقع التواصل الاجتماعي وانتهاك قانون جرائم المعلومات والتجمعات غير القانونية وعرقلة حركة المرور.
الأمر الذي سّهل إلقاء القبض على النشطاء واتهامهم بعدد من التهم المستندة إلى ترسانة القوانين الوحشية والقمعية، من بينها المرسوم السلطاني رقم 96/2011 الذي صدر في 13 أكتوبر 2011، تحديدًا بعد عام من التظاهرات المطالبة بإجراء إصلاحات ديمقراطية في السلطنة. جاء المرسوم بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء العماني وقانون الإجراءات الجزائية واشتملت التعديلات إضافة الكثير من الجرائم ضمن اختصاص قانون الجزاء. فالمادة 135 من قانون الجزاء تُجرِّم “كل من حرض أو أذاع أو نشر عمدًا في الداخل أو الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعاية مثيرة وكان من شأن ذلك النيل من هيبة الدولة أو إضعاف الثقة بمكانتها المالية”. كما تضيف المادة 137 من قانون الجزاء عقوبات بالسجن تتراوح بين شهر إلى عام وغرامة مالية لكل من اشترك في تجمهر مؤلف من عشرة أشخاص على الأقل، بقصد الإخلال بالنظام العام.. كما تنص المادة نفسها على أنه في حال استخدام العنف أثناء التجمهر فالعقوبة تكون بالسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات. كما تم تعديل المادة 42 من قانون الإجراءات الجزائية، على وجه الخصوص، لتسمح بعد تعديلها باعتقال الأشخاص وإلقاء القبض عليهم دون صدور أمر بالقبض من الإدعاء العام.
ومن الجدير بالذكر أن عمان ليست طرفًا في عدد من الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكولات الخاصة بهم.
إن القيود المفروضة على المجتمع المدني ومناصري حقوق الإنسان في عمان، إضافةً إلى عدم قانونية إنشاء مجموعة مستقلة عن الحكومة تعمل على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، تثير شكوكًا عميقة حول إمكانية إنشاء واستمرار مجتمع مدني حيوي في السلطنة. إذ تشير موجة الاعتقالات التي شنتها السلطات العمانية والتصريحات التي صدرت عن الإدعاء العام إلى أن ثمة قرارًا ما قد اتخذ بشان تطبيق إجراءات صارمة ضد جميع أصوات المعارضة في البلاد.
وفي هذا السياق، يدعو مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حكومة عمان إلى احترام التطلعات المشروعة لشعبها عبر إجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية بدلاً من تضييق الخناق على دعاة الإصلاح. كما يطالب المركز الحكومة العمانية بضمان الإفراج الفوري عن جميع النشطاء المعتقلين حاليًا جزاء ممارستهم حقوقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمع، وكذا إسقاط جميع التهم غير القانونية الموجهة ضدهم. كما يدعو مركز القاهرة بعثات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك سفارات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في عمان إلى تطبيق الإرشادات الخاصة بالمدافعين عن حقوق الإنسان الصادرة عن الاتحاد الأوروبي والمتابعة الفعالة لمحاكمة مختار الهنائي، المقرر عقدها اليوم 19 ديسمبر.