في تقرير متابعة المحاكمة الذي نشرته الشّبكة الأوروبيّة المتوسّطيّة لحقوق الإنسان اليوم، خَلُص محامون دوليّون مدافعون عن حقوق الإنسان من مجموعة المحامين الدّوليّين لحقوق الإنسان إلى أنّ حقّ النّاشط المصريّ في مجال حقوق الإنسان علاء عبد الفتاح في المحاكمة العادلة قد انتُهك. ويقدّم تقرير الشّبكة الأوروبيّة المتوسطيّة لحقوق الإنسان تحليلًا مفصّلًا عن مختلف معايير المحاكمة العادلة التي تمّ انتهاكها حتى السّاعة، وقد ذُكِر بعضها أدناه، ويوصي بمتابعة مراقبة محاكمته.
تدين الشّبكة الأوروبيّة المتوسّطيّة لحقوق الإنسان بشدّة عدم احترام معايير المحاكمة العادلة في مصر، وتبدي قلقها بشكل خاص من الغياب الصّارخ لاستقلاليّة القضاء في البلاد، والذي تزايد استخدامه أداةً لقمع الأصوات المعارِضة وخاصةً أصوات ناشطي حقوق الإنسان والمتظاهرين. وخير مثالٍ على ذلك محاكمة علاء عبد الفتّاح الذي حكم عليه بالحبس لمدّة خمسة عشر عامًا بتهمٍ متعلّقة بقانون التظاهر المصري المثير للجدل.
لقد استُخدم قانون التّظاهر المصريّ المتشدّد، منذ اعتمادِه في تشرين الثّاني/نوفمبر 2013، لإطلاق العنان لموجة من الإجراءات القضائية ذات الخلفيّة السياسيّة ضدّ الأصوات المعارضة، مما أدّى إلى العمل بالمسؤولية الجماعيّة والعقاب غير المتناسب.
وليس الحكم الجائر والمخزي بحقّ عبد الفتاح والمدّعى عليهم الأربعة والعشرين الآخرين إلّا مثالًا وقحًا عن هذه الممارسات التي تبيّن إخفاق القضاء المصريّ التّام في ضمانة استقلاليّته وترسيخ ثقافة قضائيّة من المحاكمة العادلة واحترام حقوق الإنسان.
في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، اعتُقِل علاء عبد الفتاح و24 آخرون لارتباطهم بمظاهرة ضدّ محاكمة المدنيّين أمام المحاكم العسكريّة نُظّمت أمام مجلس الشّورى قبل يومين من ذلك التاريخ، وقد تعرّض للضّرب وإساءة المعاملة خلال توقيفه واعتقاله.
وفي 4 كانون الأوّل/ديسمبر 2013، أُطلِق سراح 23 معتقلًا بكفالة. وفي 15 آذار/مارس، أحيلت القضيّة إلى الدّائرة الخاصّة في المحكمة الجنائيّة في معهد أمناء الشّرطة في طرّة. أمّا في 23 آذار/مارس 2014، فقد تمّت الاستجابة لطلب علاء عبد الفتاح بالإفراج عنه بكفالة وأطلق سراحه بعد حوالي 4 أربعة أشهر من الحبس. وتلا ذلك عدّة جلسات استماع في 6 نيسان/أبريل، و17 أيار/مايو ، و25 أيار/مايو و 6 آب/أغسطس و 10 أيلول/سبتمبر و15 أيلول/سبتمبر 2014. وقد تم تأجيل جلسة الاستماع التي كانت مقررة في 22 تموز/يوليو 2014 قبل ليلة من عقدها. وفي خلال عدة جلسات استماع، احتُجز علاء عبد الفتاح في قفص زجاجيّ عازل للصّوت، ممّا حال دون سماعه المرافعة أو التواصل مع محاميه.
في 11 حزيران/يونيو 2014، أصدرت الدّائرة الخاصّة حكمًا غيابيًّا على علاء عبد الفتّاح بالسّجن خمس عشرة سنة وغرامة قيمتها 10000 جنيه مصري وخمس سنين من المراقبة بعد أن يقضي محكوميّته. وقد ألقي القبض على علاء عبد الفتاح ومتهمين آخرين حالما صدر الحكم بينما كانوا ينتظرون خارج المحكمة. أمّا المتّهمين الإثنين والعشرين الآخرين الذين يواجهون تهمًا مشابهة فقد بقوا أحرارًا بكفالة. وهذا ما يبعث على القلق بشأن مبدأ تساوي الجميع أمام القانون، كما يعمّق اليقين في فرضيّة حبس علاء عبد الفتاح عقابًا له على عمله كناشط.
في 18 آب/أغسطس 2014، بدأ علاء عبد الفتاح إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على ظروف سجنه والأسس التي بني عليها. وقد رفضت المحكمة بشكلٍ متكررّ طلب إطلاق سراحه بكفالة. في 15 أيلول\سبتمبر 2014، تنحّت هيئة القضاة الثلاث المعيّنة لهذه القضيّة ومنحت علاء عبد الفتاح إطلاق سراح بكفالة.
خلص تقرير الشّبكة الأوروبيّة المتوسّطيّة لحقوق الإنسان إلى أنّ حقّ علاء عبد الفتّاح في المحاكمة العادلة قد تعرّض للانتهاك من عدّة نواحٍ. ففيما يتعلّق بالحكم الغيابي الذي صدر بحقّه في 11 حزيران/يونيو والذي أدّى إلى استمرار اعتقاله “بدا أنّ المحكمة متحيّزة لقضيّة الادّعاء” فانتهكت بالتّالي الحقّ في المثول أمام محكمة حياديّة بموجب المادة 14(1) من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة.
كما تنتهك الإجراءات المتّخذة حتّى اليوم حقّ المتّهم بالحصول على محاكمة في وقتها التي ضمنتها المادة 14(3) ج من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة. وقد كان التّأخير “غير مبرّر” و”كان من الواضح أنّ تجنّبه ممكن”. ونظرًا لغياب الوصول العام إلى الجلسات، وجد المراقبون أنّ كلّ جلسات الاستماع التي عقدت في هذه القضيّة كانت تنتهك الحقّ في المحاكمة العلنيّة التي ضمنتها المادة 14 (1) من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة. وينتقد التّقرير صدور الحكم غيابيًّا كما ينتقد جلسات الاستماع التي حضرها علاء عبد الفتّاح من قفص زجاجي عازل للصّوت في انتهاكٍ لحقّه في أن يحاكم حضوريًّا (المادة 14 (3) د من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة).
وقد تعرّضت حقوق أخرى للانتهاك، وهي حقوق متعلّقة بالحق في إعداد دفاع (المادة 14) (3) ب من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسيّة) والحق في إعلامه بالقضيّة (المادة 14) (3) ب من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسيّة). علاوة على ذلك، وجد المراقبون أنّ الأحداث التي أدّت إلى الحكم الغيابي في 11 حزيران/يونيو “قد قَصُرت حتى الآن عن الإيفاء بالمعايير المحليّة والدّوليّة المتعلّقة بعدالة الإجراءات لا بل إنّها ترقى إلى مستوى العمل القضائي فاقد المشروعيّة”.
في النهاية، وفي ما يتعلّق بالحقّ في الحرّيّة قبل المحاكمة، (المادة 9 (3) من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة)، وجد المراقبون أنّ حقّ علاء عبد الفتّاح في الحرّيّة الشّخصيّة وحقّه في عدم حرمانه تعسّفيًّا من حرّيّته قد انتهكا بالإضافة إلى حقّه في تحدّي قانونيّة اعتقاله من دون تأخير. أمّا في ما يتعلّق بالحق في المعاملة الإنسانيّة في فترة الاحتجاز قبل المحاكمة (المادة 10 (1) من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة) “يوصي المراقبون أن يحقق المدّعي العام من دون المزيد من التّأخير في شكاوى علاء عبد الفتّاح ومنال حسن المتعلّقة بعنف الشّرطة الذي تعرّض له عند توقيفه ومصادرة ممتلكاتهما على وجه غير شرعي ومن دون مذكّرة تفتيش.
لقد دعت الشبكة الأوروبية المتوسّطيّة مرارًا وتكرارًا السّلطات المصريّة لضمان الفصل الحقيقي بين السّلطات. وإنّ تأثير تدخّل السّلطات التنفيذيّة المصريّة في الشؤون القضائيّة لا يقتصر على تقويض حقّ المصريّين في المحاكمة العادلة فحسب، بل يقف عائقًا حقيقيًّا في وجه الإصلاح الدّيمقراطي في البلاد. وتعرب الشّبكة الأوروبية المتوسطيّة لحقوق الإنسان عن بالغ قلقها من استخدام الدّولة القضاء أداةً للقمع في مصر.
على ضوء ما سبق، تحثّ الشّبكة الأوروبيّة المتوسّطيّة السّلطات المصريّة على:
- ضمان احترام الحق في الحصول على محاكمة عادلة كما ضمنها القانون الدّولي.
- إلغاء قانون التّظاهر أو تعديله بما يتوافق مع الدّستور المصري والمعايير الدّوليّة.
- وضع حدٍّ للتّوقيفات التّعسّفية أثناء المظاهرات السّلمية وكفّ مضايقة القضاء للمواطنين الذين يطالبون بحقهم في التظاهر السلمي.
- إخلاء سبيل كلّ الأفراد الذين اعتقلوا تعسفيًا بموجب قانون المظاهرات المثير للجدل.
- ضمان أخذ التّدابير غير الاعتقالية بعين الاعتبار لتجنب اللّجوء غير الضّروري إلى الاعتقال.
- الحرص على ألا يتم استخدام الاعتقال السّابق للمحاكمة إلا كملاذ أخير بما يتماشى مع الشروط التي نصّ عليها القانون وفقط للجرائم الأكثر جدّيّة أو حينما تلوح مخاطر جديّة لا يمكن تخفيفها بواسطة تدابير أخرى.
- إلغاء أي قرار قضائي أو إدانات أصدرتها المحاكم الخاصة في غياب ضمانات المحاكمة العادلة.
- الحرص على احترام الحقّ في حرية التجمّع السّلمي والتعبير بما يتوافق مع المعايير الدّوليّة.