اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة: صورة قاتمة للمنطقة الأوروبية المتوسطية

بالتزامن مع إحياء العالم اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، الذي يصادف اليوم، تدقّ الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان ناقوس الإنذار بشأن الزيادة الحادة في أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي وتفشي ظاهرة إفلات مرتكبيها من العقاب في المنطقة الأوروبية المتوسطية.

فمع أنّ العنف ضدّ المرأة ليس ظاهرة حديثة في المنطقة الأوروبية المتوسطية، إلّا أنّ أشكالًا جديدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي نجمت عن الانتفاضات الشعبية التي هزت المنطقة، كما وعن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

وفي هذا السياق، تستخدم أجساد النساء بشكل متزايد كأسلحة في ساحات القتال وفي الخصومات السياسية، حيث يتمّ اللجوء إلى الاغتصاب والعنف الجنسي على نطاق واسع، في كلّ من سوريا وليبيا ومصر، لزعزعة استقرار المجتمعات وثني النساء عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة.

وغالبًا ما تتضمّن القوانين المتعلقة بالعنف الجنسي والتحرش في الكثير من البلدان في المنطقة تعريفًا ضيقًا للاغتصاب، كما أنّ أحكام قانون العقوبات لا تزال تتيح للمغتصبين الإفلات من الملاحقة القضائية عن طريق الزواج من ضحاياهم. وبحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإنّ نسبة 99 %من النساء في مصر قد تعرّضن لأحد أشكال التحرّش أو العنف الجنسي. وحتّى في البلدان التي يعتبر الإطار القانوني فيها مُرضيًا، لا تزال ظاهرة إفلات مرتكبي أعمال العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي من العقاب متفشية، نظرًا لكون الأنظمة القضائية والمجتمعات منحازة بشدة لصالح الرجال. كما تقترن هذه المشاكل بمبادرات مشبوهة لتغيير سرد الأحداث في هذه القضايا. على سبيل المثال، في 26 حزيران/يونيو، أكّد قرار صادر عن الأمم المتحدة بشأن “حماية الأسرة”، قدمته مصر وتونس والمغرب وغيرها من الدول، على أنّ “الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة”، مانحًا الأولوية لحق الأسرة على حق الأفراد ، بمن فيهم النساء.

ولا يزال العنف المنزلي الشكل الأكثر انتشارًا وإثارة للقلق من أشكال العنف ضد النساء في جميع أنحاء المنطقة. وتظهر التقديرات في بلدان كتونس وفلسطين زيادة في العنف المنزلي ضد المرأة بعد الثورة ونتيجة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي. فمع أنّ الانتفاضات التي شهدتها المنطقة أتاحت الفرصة للتغيير في دور المرأة  في المجتمع، إلّا أنّها انطوت كذلك على خطر حدوث ردّة فعل عكسية ضد المرأة في مرحلة ما بعد الثورة، مع فرض القوانين الجديدة أدوارًا تابعة على النساء، ما يزيد من إمكانيّة تعرضهنّ للعنف المنزلي.

كما بلغ العنف ضد المرأة في حالات النزاع، كما هو الحال في سوريا وفلسطين وليبيا، مستويات مقلقة في السنوات الماضية. وفي هذا السياق، وقعت النساء اللواتي ترمّلن بسبب الحرب ضحية للتمييز والتهميش على المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي نتيجة لدورهنّ الجديد كمعيلات لأسرهن في مجتمعات أبوية للغاية. في تونس ومصر، وقعت الكثير من النساء اللواتي شاركن في عمليات الانتقال السياسي التالية للثورة، ضحايا العنف السياسي.

كما تتواصل عمليّات الإتجار بالنساء في منطقة جنوب البحر المتوسط، حيث يستمرّ الأثرياء من دول الخليج وغيرها في السفّر إلى مصر لعقد ما يعرف بـ”زيجات مؤقتة” مرتّبة مع نساء وفتيات مصريّات غالبًا ما تؤدي إلى الاستغلال الجنسي، أو الدعارة، أو العمل القسري، في حين يتمّ تزويج عدد متزايد من النساء والفتيات اللاجئات السوريات أيضًا “زيجات مؤقتة” في كلّ من الأردن ولبنان. وعلى نحو متّصل، تمّ إجبار نساء تونسيات مستقدمات للعمل في لبنان على ممارسة الدعارة فور وصولهنّ إلى البلد.

أمّا في أوروبا، فقد زاد تأثير الأزمة الاقتصادية من تعرّض النساء للعنف، حيث كانت النساء الأكثر تضرّرًا من ارتفاع معدلات البطالة، والوظائف غير المستقرة، والفقر، وانعدام الاستقلال الاقتصادي، الناجمة عن الأزمة والتقشف، لأنها غالبًا ما تؤدّي إلى تخفيضات في القطاع العام الذي يوظّف أكبر نسبة من النساء. كما انعكس التقشف بشكل سلبي على الخدمات المتعلقة بتمكين المرأة كالملاجئ والخطوط الساخنة للإبلاغ عن حالات العنف، فضلًا عن آليات المساواة بين الجنسين. وباقتران هذه التدابير مع السياسات الأبوية والتمييزية والمحافظة، فإنّها ساهمت في تقويض إضافي لحقوق المرأة.

في آذار/مارس من عام 2014، نشرت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية نتائج استطلاع أجرته حول العنف ضد النساء في الاتحاد الأوروبي. وقد أظهر الاستطلاع أنّ واحدة من بين كل ثلاث نساء في عمر 15 سنة وما فوق قد تعرّضت لعنف جسدي و/أو جنسي؛ وأنّ واحدة من كل خمس نساء قد تعرّضت للمطاردة، وبأنّ واحدة من كلّ امرأتين قد تعرّضت لشكل أو أكثر من أشكال التحرش الجنسي. وبالإضافة إلى ذلك، أشارت نسبة 5٪ من النساء في عمر 15 سنة وما فوق إلى أنهنّ تعرّضن للاغتصاب.

وبحسب جماعة الضغط النسائية الأوروبية، يمثّل العنف ضدّ المرأة أكثر انتهاكات حقوق الإنسان للمرأة انتشارًا في الاتحاد الأوروبي. ويثبت استمراره وانتشاره أنّ القيم الأبوية والهيمنة الذكورية لا تزال راسخة في المجتمعات الأوروبية. الجدير بالذكر أنّ العنف ضد المرأة يحدّد مكانة النساء في المجتمع، بما في ذلك حصولهنّ على الرعاية الصحية والتوظيف والتعليم. كما أنّ له تأثير على استقلاليّتهنّ الاقتصادية، فضلًا عن انخراطهنّ في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، ومشاركتهنّ في الحياة العامة والسياسية.

التوصيات

في ضوء ما تقدّم، نحثّ الدول والحكومات، والحكومات والهيئات المؤقتة في المنطقة الأوروبية المتوسطية على:

  • توقيع الصكوك الدولية ذات الصلة، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وبروتوكول باليرمو، ونظام روما الأساسي، واتفاقية اسطنبول، وتنفيذها بالكام
  • وضع حدّ لإفلات مرتكبي العنف ضد المرأة من العقاب. ولهذه الغاية، لا بدّ من المسارعة إلى إصلاح التشريعات الوطنية وضمان توافقها مع المعايير الدولية؛
  • ضمان المساواة بين الجنسين، وعدم التمييز، وحماية النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي، في الدساتير والقوانين، وضمان إنفاذها؛
  • تنفيذ البرامج العامة الهادفة إلى تحقيق المساواة وعدم التمييز، في حال وجودها، والعمل على الحفاظ عليها وتطويرها.