اعلان الحركات الاجتماعية
أنهى اليوم 26 مارس 2017 المؤتمر الوطني للحركات الاجتماعية أعماله بعقد جلسته العامة الختامية بحضور ممثلي عديد الحركات الاحتجاجية والاجتماعية وممثلي الجمعيات والمنظمات الوطنية المشاركة ويهم جميع المشاركين من كل ولايات الجمهورية التذكير أولا بالسياق العام الذي رافق الإعداد لهذا المؤتمر وسير أشغاله على امتداد الأيام الثلاثة السابقة 24-25-26 مارس 2017 والذي تميز في الفترة الأخيرة أساسا بإمعان السياسة الحكومية في محاصرة الحركات الاجتماعية والاحتجاجية ارتفاع وتيرة المحاكمات التي طالت مئات النشطاء والشباب بتهم كيدية وتزامنت مع التضييق عليهم وتشويه صورتهم لدى الرأي العام بهدف كسر إرادتهم القوية مقابل تواصل العجز الحكومي أمام منظومة الفساد المتنامي المهدد
بانهيار أسس الدولة وكيانها وغياب إرادة رسمية فعلية بإصلاح المؤسسات والإدارة ومراجعة السياسات العمومية والتنموية الفاشلة والجائرة المستمرة في انتهاج نفس التوجه النيوليبيرالي اللاوطني وذو الكلفة الاجتماعية الباهضة.
إن الحركات الاحتجاجية والاجتماعية التي توجهت منذ ستة سنوات إلى كل الجهات الرسمية للمطالبة بفتح حوار جدي مع السلط المحلية والجهوية والوطنية دفاعا عن مطالبها المخصوصة ومن أجل طرح قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية تؤكد اليوم في خاتمة هذا المؤتمر إيمانها الكامل بأنها تستمد قوتها مما راكمته من تجارب ومن إرادتها وصمودها وتضامنها فيما بينها وهي مدركة أن تحقيقها لأهدافها في صراعها المفتوح مع الائتلاف الحكومي القائم يبقى رهين تنامي قدراتها على الاستمرار في تعبئة طاقاتها الذاتية والميدانية وتجذرها الشعبي حتى تكسر الحصار الذي يراد فرضه عليها لإجهادها واستنزافها كما تستمد أفقها المستقبلي من وضوح أهدافها وتماسك بدائلها.
ويؤكد المشاركون في المؤتمر على أن استمرار عطاء هذه الحركات في تنوعها وثرائها ومزيد التفاف قوى اجتماعية ومدنية ووطنية حولها هو الكفيل بإحياء آمال الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وفي دولة قانون تحترم حقوق الانسان والمواطن دون تمييز أو حيف.
إن المشاركين والمشاركات في المؤتمر والمتطلعين لمستقبل أفضل يرونه ممكنا وإيمانا منهم بقيمة المكاسب السياسية التي تحققت للتونسيين بفضل تضحيات شهداء الثورة وجرحاها وما يتوفر لهم من تعددية ومن حريات مدنية مكتسبة يجددون اليوم تأكيدهم على تخوفهم من عودة التسلط والتراجع عن المكاسب كما يجددون إعلانهم بأن ما تضمنه دستور 2014 من إقرار بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية وباللامركزية سيكون عنوان معاركهم القادمة مع منظومة الحكم القائمة وللوقوف في وجه العودة المتسارعة لممارسات النظام القديم والنفوذ المتعاظم للوبيات الفساد ولأصحاب المصالح الضيقة.
وهم من هذا المنطلق عازمون على تطوير مستويات التشبيك والتضامن بينهم وتعزيزها والارتقاء بها من خلال تطوير أداء التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية والتمسّك بدورية المؤتمر الوطني للحركات الاجتماعية ويتوجهون في خاتمة هذا المؤتمر إلى الرأي العام الحقوقي والمدني والديمقراطي ومن منطلق مسؤولياته في هذه المرحلة الحرجة لبناء آليات جديدة للتضامن معهم ولجعل مطلب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في مقدمة اهتماماتهم في الأيام القادمة.
وتبقى المشاركة في بلورة خطة نضالية للمرحلة التي تعيشها بلادنا باتجاه استكمال المسيرة لتحقيق أهداف الثورة مهمة وطنية وحيوية مناطة بعهدة الحركات الاجتماعية الحاضرة و بغيرها من الحركات في مختلف القطاعات والجهات من القوى المؤمنة بالحرية والعدالة الاجتماعية والمستعدة لتظافر الجهود مستقبلا.
إن القناعة المشتركة والموحدة التي تحققت اليوم لمجمل الحركات الاجتماعية ومناصريها لمواصلة المقاومة المدنية والسلمية في وجه الحيف والتجاهل والاقصاء وفي أفق النضال من أجل منوال تنموي بديل يجسد فعلا شعارات الثورة ومطالبها تدفعهم بعد استكمال أعمال الورشات ومناقشة توصياتها الى اعلان:
العمل على مزيد التشبيك الداخلي بين الحركات بدعم دور التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية وكذلك بتشكيل تنسيقيات جهوية ومحلية مفتوحة على مختلف الحركات والفاعلين المحليين.
توسيع دائرة تضامن القوى الوطنية مع الحركات الاجتماعية بالسعي الى تشكيل هيئة وطنية للدعم والإسناد تساعد على تجاوز ضعف المساندة الذي طبع المرحلة السابقة وعلى تكثيف الضغط على الائتلاف الحاكم وتحميله مسؤولياته في احترام الدستور والحقوق والحريات التي تكفلها المواثيق الدولية
مزيد تعميق البحث والتشاور لوضع خطة إعلامية و تواصلية ناجعة وتوفير آليات تنفيذها.
ويوصي المؤتمر في سياق المحافظة على استمرار التعبئة بالدعوة الى تنظيم تحركات وطنية دورية جامعة تعكس وحدة الحركات الاجتماعية وتضامنها ويدعو تحديدا الى:
دعم وإسناد الحركات الأكثر عزلة وتهميشا والتعريف بها وبحقوقها الوطنية (ذوي الاحتياجات الخصوصية، العائلات المعوزة…)
تنويع أشكال الاحتجاج المدني والسلمي بمختلف تعبيراته وتجاوز الاشكال التقليدية المستنزفة والحرص على ضمان الحاضنة الشعبية المحلية والوطنية لهذه التحركات
ضبط عناصر خطة عمل أولية للقطع مع كل أشكال وآليات التشغيل الهش (عمال الحضائر، النساء العاملات في القطاع الفلاحي، تشغيل القاصرين والأطفال…) والتصدي لظاهرة الطرد التعسفي الذي يطال خاصة النساء وعاملات النسيج وضمان آلية قانونية تحمي حقوق ضحايا هذا الطرد المادية والاجتماعية
المطالبة بحوار اجتماعي شامل بهدف الاتفاق على: عقد اجتماعي جديد يكرّس فعليا الحق في العمل اللائق وفق ما يضمنه الدستور التونسي وما تقره مواثيق حقوق الانسان والمعاهدات الدولية
وإيمانا منهم بعدالة مطالب عمال الحضائر وكل ضحايا التشغيل الهش فان المؤتمرين يدعون كل القوى النقابية والمدنية والوطنية الى اعتبار ملف التشغيل الهش ملفا وطنيا مستعجلا يستوجب موقفا موحدا من كل القوى الوطنية الفاعلة حتى نضع حدا نهائيا لأشكال التشغيل المهينة وحتى ندفع نحو علاقات شغلية تحفظ كرامة الأجراء والعمال.
ومن منطلق وعيهم بأهمية المسألة البيئية ومن الارتباط العضوي بين مطلب العدالة الاجتماعية والعدالة البيئية فان المشاركين والمشاركات يجددون تمسكهم ب:
الدعوة الى استبدال المنوال التنموي الحالي المستنزف والملوّث بمنوال جديد صديق للبيئة وباتخاذ كل الاجراءات العاجلة لوقف التلوث في عديد المناطق ولحماية الأحياء والمدن التونسية والعمل على جعلها اطارا ملائما للعيش
دعوة السلطة التشريعية لإرساء منظومة قانونية شاملة تترجم ما جاء في الفصل 45 من الدستور الذي ينص صراحة على مسؤولية الدولة في ضمان الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.
اعداد خارطة للحركات الاجتماعية والاحتجاجية البيئية وتكوين فريق متحرك لدعمها وتشبيكها.
وفي مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يدعو المؤتمر انطلاقا من توصيات الورشة التي اشتغلت على هذا الملف الهام الحركات الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني والقوى النقابية والديمقراطية والتقدمية الى:
تبني الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كخيار استراتيجي في أفق النضال من أجل منوال تنموي بديل يقطع مع هيمنة التوجهات النيوليبيرالية ويفتح السبيل لإدماج قوى اقتصادية منتجة في الدورة الاقتصادية والمجهود الوطني لخلق الثروة
التسريع بوضع إطار تشريعي وقانوني استئناسا بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل في علاقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتنظيم دورات تكوينية لنشر ثقافة هذا الخيار الاقتصادي التنموي حتى يكون قادرا على فرض نفسه في قطاعات منتجة ومشغلة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية.
التنصيص على مركزية قضية الأراضي الفلاحية الدولية كمدخل رئيسي لدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني خاصة في المناطق الريفية والداخلية بما يوفره من فرص تشغيل وما يفتحه من أفق تنموية محليا وجهويا وبالنظر الى ارتباطه بأمننا الغذائي وسيادتنا الغذائية وهو ما يعني العمل على دعم المبادرات الشبابية والحركات الاجتماعية والشعبية المطالبة بحقها في استغلال الأرض على شاكلة نموذج تجربة جمنة الرائدة وما حققته من نجاحات في وقت قصير عمّق الالتفاف الشعبي المحلي حولها ووسع دائرة الاعجاب والتضامن معها وطنيا ودوليا.
وإدراكا منا كمؤتمرين ومؤتمرات بأهمية ومركزية مسألة الديمقراطية المحلية خاصة أمام استمرار الممارسات والقرارات المُسقطة والمركزية التي ما فتئت تنتهجها حكومة هذا الائتلاف الفاشل منذ تشكلها وعودة سياسة المحاصصة الحزبية في تعيين المعتمدين والمسؤولين المحليين والجهويين فإننا:
نُنبه الى خطورة محاولات الالتفاف على الباب السابع من دستور سنة 2014 بما في ذلك التلويح بالمرور الى العملية الانتخابية دون المصادقة على مجلة الجماعات المحلية مما يفرغ الديمقراطية المحلية واللامركزية من محتواها
نعلن أن حركاتنا الاجتماعية الناشئة والمنظمة والمستمرة منذ ستة سنوات باعتبارها حركات اجتماعية مواطنية ومدنية، لن تقف موقفا سلبيا ولن تكتفي بالمراقبة في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية المحلية والجهوية القادمة،وستبقى يقظة في دفاعها عن مطالبها ويدعو في هذا السياق المؤتمر كل الحركات الى لعب دورا فاعلا ومؤثرا بحث الشباب والمواطنين والمواطنات على المشاركة بما يجعلهم يساهمون في تقدم مراحل بناء الديمقراطية المحلية وتطبيق مبدأ اللامركزية وتفعيل آليات التشاركية حتى تتحول الى آلية سياسية تساعد في تحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية المشروعة في تنمية المدن والجهات
ويدعو المؤتمر التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية بمتابعة هذه التوصيات.
وبقدر ما يعتبر المشاركون هذا المؤتمر محطة ناجحة عززت تضامنهم وتقاربهم وعمقت آليات الحوار الديمقراطي بينهم فإنهم ملتزمون بمواصلة نهج النضال والصمود والمقاومة ادراكا منهم بقيمة الحرية التي انتزعت بعد ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي وإيمانا منهم بأن الكرامة لا تتجزأ