في عام 1977، عينت الجمعية العامة للأمم المتحدة 29 نوفمبر يومًا عالميًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والآن وبعد مرور خمسة وثلاثين عامًا، لم تشهد أوضاع الشعب الفلسطيني وحقوقه الإنسانية سوى التدهور. فلا يزال يتعرض يوميًا لانتهاكات جسيمة ومستمرة لحقوقه الأساسية على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن تفاقم حدة المصادرة الإسرائيلية غير القانونية للأراضي الفلسطينية.
في 8 نوفمبر 2012، بدأت إسرائيل القيام بعملية “عمود السحاب” في قطاع غزة، والتي أسفر القصف العشوائي أثناء تنفيذها عن مقتل 162 وإصابة قرابة الألف شخص، تبعًا لتقديرات مركز الميزان لحقوق الإنسان، ناهيك عن تدمير العديد من الممتلكات العامة والخاصة. وقد كانت الأغلبية العظمى للضحايا من المدنيين، بما في ذلك الصحفيين الذين قامت القوات الإسرائيلية باستهدافهم بشكل خاص.
إن تلك الأعمال قد ترقى إلى حد جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، كما أنها تؤكد على الحاجة الملحة لضمان وجود مساءلة عن انتهاكات القانون الدولي، التي تقترفها إسرائيل والفاعلون الآخرون داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة. هذا بالإضافة إلى الجرائم الدولية المستمرة التي يتم ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني مع الإفلات شبه المطلق من العقاب، وذلك في سياق الحصار غير الشرعي لقطاع غزة، والذي يدخل حاليًا عامه السادس، ونتج عنه وضع أليم حاق بكل من حقوق الإنسان والوضع الإنساني في البلاد.
وإدراكًا منها لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني والحاجة الملحة لإتخاذ إجراء يتسم بالجرأة بغية دعم الحقوق الأساسية للفلسطينيين، دعت 12 منظمة عربية ودولية لحقوق الإنسان الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى مساندة قرار مفاده الاعتراف بفلسطين بوصفها “دولة” بالأمم المتحدة.
إذ أنه في وقتٍ سابق، وتحديدًا في 9 نوفمبر الجاري، وزع الدبلوماسيون الفلسطينيون في نيويورك على الدول الأعضاء بالأمم المتحدة مشروع قرار يدعو إلى الاعتراف بـ”فلسطين” كدولة مراقب، على أن تنتهي الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والبالغ عددها 193 دولة، من عملية التصويت على مشروع القرار بنهاية شهر نوفمبر. القرار من شأنه “منح فلسطين صفة الدولة المراقب في منظومة الأمم المتحدة”.
وعلى الرغم من النداءات المتعددة الموجهة لإسرائيل من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدار النصف قرن الماضي، للتوقف الفوري عن ممارستها غير الشرعية من مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، فلا يزال تشييد المستوطنات واقتراف العنف ضد المدنيين الفلسطينيين مستمرًا على يد القوات العسكرية والمستعمرين بغرض الاستيلاء على هذه الأراضي بالقوة، مع إفلات تام تقريبًا من العقاب. وتتراوح تقديرات المستعمرين الإسرائيليين بالأراضي الفلسطينية المحتلة ما بين 500.000 و650.000 شخص يعيشون في 150 مستوطنة و100 “بؤرة استيطانية” في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، الأمر الذي يضاعف من صعوبة وصول الفلسطينيين إلى الموارد الطبيعية، لاسيما المياه، والتحكم فيها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفيما يتناقض تمامًا مع التزاماتها بموجب القانون الدولي ووعودها بالتوقف عن التوسع الاستيطاني، تستمر السلطات الإسرائيلية في إتباع سياساتها على نحو نشط، بغية ضمان هذا التوسع.
إن عمليات المصادرة المتزايدة للأراضي وكذا تشييد المستوطنات، بالإضافة لانتهاكها للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، فإنها تحطم أية إمكانية لتحقيق سلام مستدام، إذ وضعت تلك العمليات الإسرائيليين والفلسطينيين على الطريق المؤدي إلى كارثة، إلا إذا تم، وبشكل عاجل، القضاء على تلك السياسات من خلال منح فلسطين صفة الدولة بالأمم المتحدة، بما يبعث للمجتمع الدولي برسالة قوية مفادها أن عليه العمل على دعم حقوق الفلسطينيين وحماية السلام المستقبلي، وذلك إذا ما استمرت الحكومة الإسرائيلية في إبداء عدم قدرتها أو عدم استعدادها للعمل وفقًا للالتزامات الدولية في هذا الشأن.
في أكتوبر 2011، قامت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية، والعلم والثقافة (اليونسكو) بسابقة هامة من خلال التصويت على منح فلسطين صفة العضوية الكاملة للدولة. وقد ردت الولايات المتحدة بسحب التمويل الممنوح لليونسكو، كما هددت باستخدام حق الفيتو ضد أية محاولة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنح فلسطين صفة الدولة ذات العضوية الكاملة بالأمم المتحدة. وعلى هذا النحو، يسعى الوفد الفلسطيني في نيويورك حاليًا إلى الحصول على صفة الدولة “المراقب”، وهو ما لا يتطلب موافقة مجلس الأمن.
ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن الولايات المتحدة كانت الدولة الوحيدة في العالم التي صوتت بالرفض على القرارات السنوية التي تم اتخاذها بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وفي هذا السياق، لا تزال المنظمات الموقعة أدناه تعترف بالحق الشرعي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وصفة العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كما تناشد الولايات المتحدة إنهاء اعتراضها بمجلس الأمن على منح فلسطين صفة العضوية للدولة في الأمم المتحدة.
لا ينبغي أن يبقى مستقبل السلام في المنطقة وكرامة الشعب الفلسطيني مرهونة بقرارات حكومة واحدة أو حكومتين، فمن الأهمية بمكان أن تصوت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالجمعية العامة لصالح فلسطين بوصفها “دولة مراقب”، وذلك على الرغم من الإنذارات باتخاذ إجراءات قصاصية ضد الأمم المتحدة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.
كانت التقارير قد أفادت بأن الوزارة الإسرائيلية للشئون الخارجية هددت مؤخرًا “باقتطاع عائدات ضرائب فلسطين، وقطع موارد الكهرباء والمياه عنها، وغمر الأراضي المحتلة بمستوطنات جديدة إذا ما مضوا قدمًا في التصويت في الأمم المتحدة.”[1] وفي هذا الإطار ينبغي على كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إدانة أي من تلك التهديدات، و التى تتضمن هجمات محتملة ضد المجتمع المدنى و المدافعين عن حقوق الإنسان، بقوة، واتخاذ إجراءات حاسمة لمناهضة أية تدابير مصممة لـ”معاقبة” الشعب الفلسطيني على القرارات التي تتخذها الأمم المتحدة.
إن منح صفة “الدولة” لفلسطين بالأمم المتحدة لن يعزز من حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره فحسب، بل سيدعم إلى حدٍ كبير المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها أية جهة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال تمكين فلسطين من التوقيع على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بما يسمح لفلسطين أن تطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الاتهامات الدولية المرتكبة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا السياق، تؤكد المنظمات الموقعة أدناه أن المعارضة الشديدة التي تبديها الحكومة الإسرائيلية لاعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية ليست سوى انعكاس لمحاولاتها ضمان الإفلات الدولي من العقاب عن الجرائم المستقبلية ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ترتكبهما القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يثير القرار الإسرائيلي أحادي الجانب، الذي تم الإعلان عنه رسميًا في مايو 2012، بشأن الانسحاب ووقف جميع “العلاقات” مع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وكذا مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في كل من جنيف والقدس، قلقًا بالغًا.
فقد جاء هذا القرار عقب قرار مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإرسال لجنة دولية مستقلة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لتقصي الحقائق بشأن المستوطنات الإسرائيلية. إذ يمثل وقف التعاون من قبل إسرائيل مع مجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي المعني بحقوق الإنسان سابقة خطيرة، يمكن أن تَغوى بلدان أخرى مُنتهِكة لحقوق الإنسان بالحذو حذوها، بما في ذلك سياق المعركة الطويلة التي خاضها مجلس حقوق الإنسان في عملية الاستعراض الدوري الشامل، الأمر الذي يقلل إلى حد كبير من شأن فعالية آليات المسائلة الخاصة بالأمم المتحدة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. وقد نتج عن هذا الرفض للتعاون مع مجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي، قيام إسرائيل بمنع لجنة تقصي الحقائق بشأن المستوطنات الإسرائيلية من دخول الدولة، وهي ممارسة طالما استخدمتها إسرائيل ضد عدد من البعثات المفوضة من قبل مجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي للأمم المتحدة المعني بشئون حقوق الإنسان.
وبناءً على هذا، فإننا نناشد كافة الدولة الأعضاء في الأمم المتحدة بالتصويت لصالح أي قرار يتم طرحه بالجمعية العامة من شأنه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، نحث الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان على أن تدينا بشدة عمليات التوسع المستمر للمستوطنات ومصادرة الأراضي على يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن تصدرا قرارًا بعدم الاعتراف بالقرار أحادي الجانب الذي اتخذته إسرائيل بشأن وقف كافة أشكال التعاون مع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، وكذا أن تضمّنا إذعان إسرائيل لالتزاماتها بوصفها دولة عضو في الأمم المتحدة.
المنظمات الموقعة
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية.
الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الدنمارك.
جمعية حقوق الإنسان أولا بالسعودية.
جمعية منتدى عمان لحقوق الإنسان (الأردن).
الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية.
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية ( ل.د.ح ).
اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا (الراصد).
مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية (شمس)، رام الله- فلسطين.
مركز الخليج لحقوق الإنسان.
المركز الدولي للتنمية والتدريب وحل النزاعات، لبنان.
مركز العدالة لحقوق الإنسان، السعودية.
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
مركز الميزان لحقوق الإنسان، غزة- فلسطين.
مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان.
مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان ،الأردن.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية.
المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق)، لبنان.
المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سورية (DAD).
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية.
منظمة حقوق الإنسان في سورية (ماف).
منظمة يمن للدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية.
مؤسسة عامل، لبنان.
نظرة للدراسات النسوية، مصر.
الهيئة المغربية لحقوق الإنسان.
نسوية، لبنان.
CISV، لبنان.
منظمة في-مايل، لبنان.
حركة مناهضة العنصرية في لبنان