الهجمات الصاروخية وبقايا المتفجرات تؤدي لإصابات للمدنيين
(واشنطن) تستخدم القوات السورية صواريخ تتسم بعدم التمييز وتحتوي ذخائر صغيرة انفجارية. تشير الأدلة إلى استخدام القوات السورية لقاذفات الصواريخ من طراز “بي إم 21 غراد” متعددة الفوهات لإطلاق القذائف العنقودية في هجمات بالقرب من مدينة إدلب في ديسمبر/كانون الأول 2012، وفي بلدة اللطامنة شمال غرب حماة، في 3 يناير/كانون الثاني 2013.
وتعد هذه الهجمات أول أمثلة معروفة على استخدام القوات السورية للذخائر العنقودية أرضية الإطلاق. لا توجد معلومات متاحة عن كيفية أو توقيت حصول سوريا على هذه الذخائر العنقودية، التي تم تصنيعها في مصر. كانت هيومن رايتس ووتش وغيرها قد نشرت من قبل تقارير عن استخدام القنابل العنقودية التي يتم إسقاطها من الجو. يجب على الحكومة السورية أن توقف على الفور أي استخدام للذخائر العنقودية، التي قامت 111 دولة بفرض حظر شامل عليها من خلال معاهدة دولية.
قال ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش: “تقوم سوريا بتصعيد وتوسيع استخدامها للذخائر العنقودية رغم الإدانة الدولية لاستخدامها هذا السلاح المحظور، وهي تلجأ الآن إلى نوع من الذخائر العنقودية يشتهر بالعشوائية وعدم التمييز ويمثل تهديداً خطيراً للتجمعات السكنية المدنية”.
بناءً على مقابلات مع شهود، وتحليل ما يقرب من اثني عشر مقطع فيديو نشرها نشطاء سوريون على الإنترنت، وصور فوتوغرافية التقطها صحفيون دوليون، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن القوات السورية منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول على الأقل استخدمت قاذفات الصواريخ متعددة الفوهات من طراز “بي إم 21 غراد” لإطلاق صواريخ محملة بالذخائر العنقودية عيار 122 ملم وتحتوي على ذخائر صغيرة من طراز “دي بي آي سي إم” أو المعروفة باسم “الذخائر التقليدية المحسنة مزدوجة الاستخدام”.
أدى الهجوم الذي استخدمت فيه هذه الذخائر العنقودية في 3 يناير/كانون الثاني على اللطامنة إلى قتل مدني واحد وجرح 15 شخصاً، فيهم نساء وأطفال، بينما قتل مدني آخر بفعل ذخيرة صغيرة غير منفجرة خلفها الهجوم. قتل رجل آخر، وهو أحد مقاتلي جماعة المعارضة المسلحة المعروفة بالجيش السوري الحر، في 5 ديسمبر/كانون الأول، بعد تعامله مع ذخيرة صغيرة غير منفجرة خلفها هجوم قبل يومين على قرية بنين في جبل الزاوية.
قاذفة الصواريخ السوفيتية الصنع من طراز “بي إم 21” متعددة الفوهات هي نظام محمول على شاحنة وقادر على إطلاق 40 صاروخاً بشكل شبه متزامن. وتتمتع الصواريخ بمدى يتراوح بين 4 و40 كيلومتراً، كما تشتهر باستحالة توجيهها الدقيق لافتقارها إلى نظام توجيه. وافتقار هذه الصواريخ إلى الدقة يفاقم من خطر تأثير المساحة الواسعة للذخائر الصغيرة التي تحتوي عليها.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يمكن لهذه الصواريخ التي يتم إطلاقها في مجموعات إحداث إصابات مدنية واسعة النطاق إذا استخدمت في مناطق سكنية.
تحمل صواريخ الذخائر العنقودية من عيار 122 ملم علامات الهيئة العربية للتصنيع المملوكة للدولة المصرية وشركة مصرية تدعى مصنع صقر للصناعات المتطورة. تم تصميم ذخائر “دي بي آي سي إم” التي تحتوي عليها الصواريخ للاستخدام ضد الأفراد والمركبات على السواء. ويبلغ حجم كل ذخيرة صغيرة منها حجم بطارية من نوعية “دي” ويعلوها شريط أبيض مميز. ليس من المعروف ما إذا كانت الصواريخ عيار 122 ملم من طراز “صقر 18” أو “صقر 36″، اللذين يحتويان على 72 و98 ذخيرة صغيرة على الترتيب.
تعد هذه الهجمات أول استخدام مسجل للصواريخ عيار 122 ملم التي تحتوي على ذخائر “دي بي آي سي إم” الصغيرة في النزاع السوري. قامت هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأولونوفمبر/تشرين الثانيبتوثيق زيادة شملت أرجاء البلاد في استخدام القنابل العنقودية سوفييتية الصنع من طرازي “آر بي كيه 275/250 إيه أو-1إس سي إتش” و”آر بي كيه 250 بي تي إيه بي-2.5″ التي تطلقها الطائرات السورية.
هجمة اللطامنة
وصف أحد سكان اللطامنة لـ هيومن رايتس ووتش هجمة الذخائر العنقودية يوم 3 يناير/كانون الثاني على بلدته، الواقعة شمال غرب مدينة حماة:
في نحو الرابعة صباحاً سقط أربعة صواريخ على اللطامنة. كان المطر غزيراً في ذلك اليوم، ثم توقف وعندها سمعنا صوتاً شديد الارتفاع ثم انفجاراً كبيراً. وبعد هذا سمعنا سلسلة من الانفجارات الأصغر. سقط الصواريخ الأربعة على مناطق مختلفة: فسقط ثلاثة في الحقول والرابع على شارع وسط المباني السكنية.
سبّب [الصاروخ] الذي سقط على الشارع بجوار المباني السكنية الكثير من الأضرار, فقتل رجلين وجرح 15 [بمن فيهم] نساء وأطفال. كان البعض يسيرون في الشارع في ذلك الوقت وكان آخرون في بيوتهم. وكان صلاح محمد حسين الخروف (نحو 45 عاما) … يقود سيارته عندما انفجرت الذخائر الصغيرة، فمات على الفور.
قال الشاهد لـ هيومن رايتس ووتش إن صلاح الخروف لم يكن مقاتلاً. وقال أيضاً، كما يبين أحد مقاطع الفيديو الصادمة، إن رجلاً في الثلاثين اسمه علاء عثمان زين، تم التعرف عليه باعتباره مدنياً، قتل بدوره بعد الهجمة حينما التقط ذخيرة صغيرة انفجرت بين يديه. ويبين مقطع فيديويبدو أنه قد صوّر في منشأة طبية محلية في يوم الهجمة، يبين رجلاً مقتولاً ويده اليمنى قد نسفت، ومدنيين جرحى يتلقون العلاج، فيهم رضيع وطفلة صغيرة وصِبية ونساء ورجال. يبين أحد مقاطع الفيديو إصابة تفتت جسيمة بذراع الرضيع اليمنى. قال السكان المحليون إن ذوي الإصابات الجسيمة نقلوا إلى تركيا للعلاج، حيث يبقون حتى الآن.
زار الشاهد أحد مواقع الهجوم وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه رأى “قنابل صغيرة منتشرة على مساحة نحو 200 متر” بما فيها 20 ذخيرة صغيرة غير منفجرة. كما التقط مقطع فيديو يبين بقايا صاروخ و10 ذخائر انفجارية صغيرة، وقال: “أخذنا [الصاروخ والذخائر الصغيرة غير المنفجرة] معنا إلى البيت. وبعد أن انتهينا من تصويرها وضعناها في جوال وألقيناها بعيداً وسط الحقول، فانفجرت كلها. كانت تلك أكثر الطرق أمناً لتدميرها”.
قال الشاهد إن الجيش السوري لم يدخل اللطامنة، لكن الجيش السوري الحر موجود منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول. وقال أيضاً إن البلدة تعرضت لهجوم من طائرات الحكومة السورية ومروحياتها، لكن هجوم 3 يناير/كانون الثاني كان مختلفاً لأن “تلك كانت أول مرة تُستخدم فيها مثل هذا الصاروخ علينا”. وقال إن الصواريخ لم تلق من طائرة: “لم تكن هناك طائرة في ذلك اليوم. كان الجو ضبابياً، حتى بعد توقف المطر. جاء الصاروخ من اتجاه مطار حماة، الواقع على بعد 40 كيلومتراً من بلدتنا”.
وقال شاهد آخر لـ هيومن رايتس ووتش إن مقاتلي الجيش السوري الحر في اللطامنة أخبروه بأن زملاءهم في الجيش السوري الحر قرب مطار حماة أبلغوهم بانطلاق الصواريخ من ناحية المطار يوم 3 يناير/كانون الثاني.
وصف شاهد آخر من سكان المنطقة هجمة 3 يناير/كانون الثاني لـ هيومن رايتس ووتش:
سمعت انفجاراً كبيراً أعقبته انفجارات أصغر. كان الجو مازال غائماً لكن المطر كان قد توقف. بعد توقف الانفجارات ذهبت لرؤية ما حدث. كانت المباني المتضررة على بعد 200 متر من المكتب. عند وصولي رأيت جرحى في كل مكان وقنابل صغيرة تغطي الشوارع. كان التلف اللاحق بالمباني لا يذكر. رأيت الكثير من القنابل الصغيرة غير المنفجرة. لا أذكر عددها لكنها تفوق الـ10.
قتلت القنابل الصغيرة رجلين: مات أحدهما على الفور بينما كان في سيارته ومات الآخر بعد ساعة حين انفجرت قنبلة صغيرة في يديه وهو يحاول إلقاءها بعيداً عن باحة منزله. بتر الانفجار يده. اسمه علاء ناصر عثمان. كان الجرحى [الذين رأيتهم] سبعة أطفال وثلاث نساء وثلاثة رجال.
قال الشاهد إنه لم تكن هناك عربات تابعة للجيش السوري الحر ولا تجمعات قريبة من المباني التي أصابتها الهجمة أو بداخلها. وقال إنه في توقيت هجمة الذخائر العنقودية كانت هناك اشتباكات تدور بين الجيش السوري الحر والجيش السوري في قرية مورك على بعد سبعة كيلومترات.
تبين مقاطع فيديو أخرى تم رفعها على موقع “يوتيوب” بقايا الصاروخ والذخائر الصغيرة المستخدمة في اللطامنة على ما يبدو، من بينها مقطع فيديو يظهر حقلا به تجاويف صغيرة تضم العديد من الذخائر الصغيرة الظاهرة غير المنفجرة، ومقطع آخر يبين ذخائر صغيرة غير منفجرة في منطقة سكنية.
هجمات ديسمبر/كانون الأول قرب إدلب
في 12 ديسمبر/كانون الأول قامت صحفية دولية بزيارة منطقة شجرية غير مسكونة خارج قرية بنين بجبل الزاوية، حيث التقطت الصور لبقايا الذخائر العنقودية وبقايا الصواريخ الأرضية المستخدمة في هجمة 5 ديسمبر/كانون الأول. وأبلغ أحد ممثلي الجيش السوري الحر المحليين الصحفية بأنه رغم أن هجمة الذخائر العنقودية لم تؤد إلى مقتل أو إصابة أحد إلا أن أحد أفراد الجيش السوري الحر، يدعى أحمد محمد خليفة، قتل في 5 ديسمبر/كانون الأول حينما حمل ذخيرة صغيرة غير منفجرة إلى سيارته. كانت العربة المدمرة لم تزل في مسرح الواقعة حين زارته الصحفية، وقد استقرت فيها شظايا من ذخيرة عنقودية صغيرة منفجرة. كان أحمد خليفة يجمع الذخائر الصغيرة غير المنفجرة مع شقيقه لمنع المدنيين من التعامل معها.
يبين عدد من مقاطع الفيديو التي التقطها نشطاء محليون ورفعوها على موقع “يوتيوب” خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، يبين بقايا نفس النوع من الذخائر العنقودية أرضية الإطلاق من مواقع تقع ضمن نطاق 20 كيلومتراً من إدلب في جبل الزاوية، بما فيها بلدات سرجة ومعردبسة ومعرزاف وسراقب.
تبين مقاطع الفيديو أشخاصاً يتعاملون مع بقايا الصواريخ عيار 122 ملم وذخائر “دي بي آي سي إم” الصغير غير المنفجرة، وهو تصرف شديد الخطورة، حيث أن تصميم نظام الفتيل في هذا النوع من الذخائر الصغيرة يجعلها شديدة الحساسية، والذخائر الصغيرة التي تخفق في الانفجار عند الارتطام الأولي عرضة للانفجار إذا تم تحريكها. قال أول شاهد من سكان اللطامنة ممن أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات: “وزعنا منشورات تحذر الناس من لمس القنابل الصغيرة إذا عثروا عليها. كما كنا نردد هذه الرسالة في أوقات الصلوات في المساجد”.
أدانت أكثر من 15 من حكومات العالم استخدام سوريا للذخائر العنقودية، بما فيها النمسا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وأيرلندا واليابان والمكسيك وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وقطر وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
كما قامت أغلبية دول العالم بفرض حظر شامل على استخدام الذخائر العنقودية من خلال اتفاقية الذخائر العنقودية، التي سرت اعتباراً من 1 أغسطس/آب 2010. لم تنضم سوريا إلى الاتفاقية ولم تشارك في عملية أوسلو 2007-2008 التي أدت إلى إنشاء المعاهدة، والتي تحظر الذخائر العنقودية وتشترط تطهير المناطق الملوثة بها ومساعدة ضحاياها. انضم إلى اتفاقية الذخائر العنقودية ما مجموعه 77 دولة، بينما وقّعتها 34 دولة أخرى لكنها لم تصدق عليها بعد.
هيومن رايتس ووتش عضو مؤسس في الائتلاف الدولي المناهض للذخائر العنقودية، وهو حملة المجتمع المدني التي أدت إلى اتفاقية الذخائر العنقودية.