إن المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان تؤكد على إنها قد تلقت ببالغ القلق نبأ وقوع المذبحة التي جرت على طريق النصر بالقاهرة فجر السبت 27 يوليو، وذلك في أعقاب هجوم قوات الشرطة على المتظاهرين من أنصار جماعة الإخوان المسلمين؛ مما أدى إلى مصرع نحو 80 مواطنًا -وفقًا للتقارير الرسمية- بينما تقدرهم جماعة الإخوان المسلمين بنحو 120 مواطنًا، فضلاً عن مقتل نحو 9 مواطنين آخرين في اشتباكات وقعت بمحطة الرمل في محيط مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، وقيام أنصار جماعة الإخوان المسلمين باحتجاز مواطنين وتعذيبهم داخل المسجد.
هناك عدة أسباب سياسية تفسر حدوث هذه المذبحة، ولكن العامل المشترك بين أسبابها وأسباب المذابح السابقة، هو عدم إجراء محاسبة جادة لمرتكبي المذابح وجرائم الاغتيال والتعذيب السابقة. فوزير الداخلية الحالي هو ذاته وزير الداخلية في عهد الإخوان المسلمين، والذي ارتُكبت تحت إشرافه مذبحة بورسعيد والسويس في يناير الماضي، التي أدت إلى مصرع نحو 50 مواطنًا. وبدلاً من محاسبته ومحاكمته، أشاد رئيس الجمهورية الإخواني المعزول محمد مرسي بجهود رجاله في خطاب رسمي ! ثم كافئه رئيس الجمهورية المؤقت الحالي بتجديد تعيينه وزيرًا للداخلية!
إن استمرار قوات الأمن المصرية في سياسة الاستخدام المفرط للقوة والمميت في مواجهة الاحتجاجات السياسية، لن يؤدي سوى إلى تفاقم الأزمات التي دعت المجتمع المصري للانتفاض ضد سياسات مبارك والمجلس العسكري وجماعة الأخوان المسلمين. فتبعًا للقواعد الدولية الدنيا لتحديد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، تنص المبادئ الأساسية حول استخدام القوة والأسلحة النارية على أنه “لا يجوز لمسئولي إنفاذ القوانين استخدام الأسلحة النارية ضد الأفراد، ما عدا في حالات الدفاع عن النفس أو الدفاع عن الآخرين ضد تهديد وشيك بالموت أو بالإصابة الخطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للحياة، أو للقبض على شخص يشكّل خطرا من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره (أو فرارها)، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأخرى الأقل عنفا غير كافية لتحقيق هذه الأهداف. ولا يسمح عموما باستخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد، إلا عندما يتعذر تمامًا تجنب استخدامها من أجل حماية الأرواح” (المبدأ 9(. وهو ما فشل وزير الداخلية في البرهنة عليه. ولا يقلل من مسئولية وزير الداخلية في هذا السياق ادعاء أن بعض المتظاهرين قد بادروا بإطلاق النار على الشرطة أو على الأهالي، أو أنهم قد قاموا بالفعل بأعمال من قبيل قطع الطرق الحيوية أو بناء حواجز أسمنتية تعوق حركة المرور.
في ظل حكم الرئيس مرسى ارتكب أعضاء وقيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين جرائم التعذيب في مسجد وعلى أسوار القصر الجمهوري “الاتحادية”، والقتل والاعتداء على المتظاهرين السلميين وفنانين وإعلاميين وحقوقيين. كما تم حصار المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من ممارسة عملهم لفترة تقارب الشهر، فضلاً عن شبهات قوية حول ضلوعهم في اغتيال عدد من شباب النشطاء السياسيين المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين. ويعد عدم المحاسبة على تلك الجرائم في عهد مرسى أو الرئيس المؤقت، سببًا رئيسيًا في مواصلة الجماعة ارتكاب بعض هذه الجرائم بعد فقدانها الحكم في عدد من أحياء القاهرة والجيزة والإسكندرية. حتى أن أحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين هدد مؤخرًا، وبشكل علني، بعدم توقف النشاط الإرهابي في سيناء، إلا إذا سمح لمرسى بالعودة للحكم، وهو ما يعد اعترافًا غير مسبوق منذ عدة عقود، يؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين لم تتخل بشكل نهائي عن اعتناق العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية. وهو الأمر الذي يتسق مع ممارسات العنف السياسي التي لم تتورع الجماعة -كتنظيم سياسي- عن ارتكابها حتى وهى تتولى زمام الحكم، على النحو السالف الإشارة إليه في هذا البيان وفي تقارير صدرت عن منظمات حقوقية حينذاك.
إن المنظمات الموقعة تخشى أنه في ظل استمرار الافتقار للإرادة السياسية، فإن مؤسسة العدالة في مصر ستواصل عجزها عن تحقيق العدل للمجتمع والإنصاف للضحايا منذ حكم المجلس العسكري ثم حكم الإخوان المسلمين. حيث تثير الطريقة الروتينية التي تعاملت بها الدولة مع مذبحة الحرس الجمهوري الشكوك حول إمكانية تحمل الدولة المصرية لمسئولياتها عبر إجراء محاسبة جادة وعادلة لمرتكبيها، وبذلك تلحق بالمذابح الأخرى التي وثقتها المنظمات الحقوقية بدءً من أحداث ثورة يناير 2011، مرورًا بمذابح ماسبيرو ومحمد محمود الأولى والثانية، وبورسعيد الأولى والثانية ومجلس الوزراء والاتحادية وأحداث المقطم.
في ظل استمرار هذا الاستقطاب السياسي العنيف، وغياب الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق العدل، وبالتالي تواصل عجز مؤسسة العدالة، فإنه لم يعد بإمكان المصريين سوى الأمل بأن يكون ضحايا المذبحة القادمة أقل عددًا.
بناءً على ذلك تـطالب المنظمات الحقوقية بـ:
1- إقالة وزير الداخلية ومحاسبته، حيث أنه في عهده تم ارتكاب مذبحتين على يد مرؤوسيه. وهما مذبحة بورسعيد التي وقعت في يناير 2013، ومذبحة طريق النصر. يتعين على حكومة د.حازم الببلاوي أن تتخذ موقفًا حازمًا ومسئولاً، وإلا فإنها ستلقى مصير حكومة عصام شرف -أول حكومة بعد ثورة 25 يناير- التي كانت المواجهات الأمنية تدار من خلف ظهرها، وأحيانًا بدون علم وزير الداخلية حينذاك.
2- على أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين الذين يرفضون انتهاج العنف في العمل السياسي والتحريض على الكراهية الدينية والطائفية، العمل على إقناع زملائهم وقياداتهم الآخرين بالتخلي عن ذلك النهج، وتسليم من يمارس العنف أو يحمل سلاحًا خلال ممارسة النشاط السياسي إلى الهيئات المعنية بإنفاذ القانون.
3- تسهيل مهمة منظمات حقوق الإنسان في تقصي حقائق المذبحة الأخيرة.